٧ – دروس مستفادة: كيف تجاوزت شركة عقارماب أزمة كورونا

هذه التدوينة جزء من سلسلة تتحدث عن كيفية تجاوز عقارماب لأزمة الكورونا، أنصح ببدأ القراءة من تدوينة المقدمة. 

في أخر تدوينة من هذه السلسلة أترككم ببعض الدروس المستفادة من وجهة نظري، والحقيقة أن هناك دروس عديدة لا يسعني ذكرها هنا، كما أني متأكد من أن زملائي في عقارماب تعلموا من هذه التجربة وتوصلوا لدروس أخرى ستفيدهم في حياتهم العملية والشخصية. 

توفيقه ورضاهم 

قبل أن نتحدث عن أي دروس مستفادة، يجب أن نتذكر دائماً أن توفيق الله سبحانه وتعالى وقدره وإرادته تفوق كل شيء، وأن كل شيء مكتوب وأن الأرزاق بيد الله سبحانه وتعالى. فنجاحنا حتى اليوم، وتمكننا من اجتياز هذه الأزمة لا يمكن أن ننسبه لأجتهادنا أو إمكانياتنا قبل أن نجزم بأن الله قد كتب لنا هذا الرزق. ولا يمكنني أن أقلل من دعوات الوالدين وخاصة الأمهات، وهنا لا أتحدث عن أمي فقط، وإنما عن أمهات فريق عمل بأكلمه، يدعين لأولادهن وبناتهن بالتوفيق والنجاح والرزق والبركة، فالحمدلله. 

مهم ولكن

جميل أن يكون لديك خطط استراتيجية وخطط لإدارة المخاطر وغير ذلك من الآليات التي يمكن تفعيلها في ظروف مختلفة، لكن الحقيقة أن السوق والحياة مليئة بالمفاجئات التي يمكنها أن تسحب هذه الخطط من الطاولة إلى سلة المهملات في ثواني. وجود الخطط مهم، وجود احتياطات مالية للطوارئ أهم، لكن ما هو في غاية الأهمية هو قدرتك وقدرة فريق عملك، خصوصاً رؤوساء الأقسام والقياديين على إتخاذ قرارات سريعة في ظل غموض ومخاوف وأوضاع غير طبيعية. المهم هو ليس الخطط، المهم هم من صنعوا الخطط، لأنهم حتماً سيكونوا قادرين على تغيير الخطط جذرياً وسريعاً لكي تتناسب مع الوضع الجديد. 

شُجاعة ومدروسة 

عند ساعة الصفر لا يوجد وقت للاجتماعات المطولة، والنقاشات الجدلية، والاستثشارات، وغير ذلك.. يجب عليك أولاً كقائد أن تقيم الموقف بسرعة، تجمع أكبر قدر من المعلومات في أقصر وقت ممكن، تستشير سريعاً وتتخذ القرار. ساعة الصفر ليست الوقت المناسب للحصول على إجماع، أو إرضاء جميع الأطراف، أو إقناع الجميع، يجب إتخاذ القرار بالموارد المتاحة والمعلومات المتاحة. قدرة الجيوش وقادتها على التفوق في المعارك ينبع من تدريبهم على إتخاذ قرارات سريعة وحتمية، وعلى وقوف أفراد الجيش مع القادة حتى إذا اختلفوا معهم في القرار. 

تصدر وتحمل 

على القائد والقيادين تصدر الموقف في جميع القرارات الصعبة والحساسة، ولا يمكنهم الاختباء وراء الجدران وتصدير أقسام معينة أو شخصيات معينة للإعلان عن القرارات الصعبة. للأسف شاهدت زملاء لي في السوق اختفوا تماماً من أنظار فرقهم خلال الأزمة ليس خوفاً وإنما خجلاً، والحقيقة أنه لا يوجد أي مبرر للخجل. الأزمات تحصل، ومثل هذه الأزمة كانت عالمية، لكن حتى لو كانت الأزمة تتعلق بشركاتك فقط، يجب عليك تحمل المسؤولية والتحدث مع فريقك مباشرة وصراحة. لن تنال سواء الاحترام، سينتقدك البعض، لكن الجميع سيحترمك. 

واضح وسريع ومتكرر

عند الأزمات، تكثر الأقاويل والنظريات والتكهنات، لهذا أمام قيادة الشركة قرارين، السكوت وبالتالي السماح لهذه التكهنات والأقاويل بالإنتشار داخل الشركة مما قد يكون له أثر مدمر، أو التواصل مع فريق العمل والسيطرة على الرسالة وسد الفراغ قبل حدوثه، وإرسال رسالة واضحة، سريعة، ومفهومة للجميع. البعض يلجئ لتجميل الموقف وطمئنة فريق العمل، ولكن هذه سياسة غير فعالة في معظم الأوقات، فالأفضل هو الصراحة، لأن فريق العمل دائماً يلمس الواقع وقد يكون مدرك لوضع الشركة أكثر من القياديين أحياناً. والمهم أيضاً هو تكرار التواصل، سواءاً عن طريق إيميلات أو إجتماعات زوم أو غيره، لكن أنصح أن يتم التواصل بشكل شهري على الأقل، وأسبوعي إن لزم الأمر لتأكيد المعلومة وتحديث فريق العمل أولاً بأول بتطورات الموقف. 

كاش  

في قانون معروف في البزنس اسمه “Cash is King” يعني المبلغ النقدي الذي في يدك هو أهم شيء. بصراحة، هذا القانون دقيق ليس فقط في الأزمات، في كل الأحوال. على الشركة دائماً الحفاظ على مستوى معين من توفر النقد في حساباتها لمواجهة الأزمات، لتعزيز الموقف التفاوضي عند الاستثمار، للتوسع السريع عند الحاجة، ولاقتناص الفرص الغير مخطط لها. 

قدم السبت

طالما استثمرت الوقت والجهد والمال في بناء بيئة عمل مميزة في عقارماب، وكنت دائماً مؤمن بأهميتها وبصراحة كان هناك هدف شخصي أخر وهو أني أحب العمل في مكان مريح وفي بيئة عمل مريحة، فحاولت أن أبني عقارماب لكي يكون المكان الذي أحب العمل فيه قبل أن يحب فريق عقارماب العمل فيه. كانت الأزمة بمثابة اختبار حقيقي لبيئة العمل وللشركة: هل ستتصرف الشركة وفقاً للثقافة التي ادعتها طوال هذه السنين، أم أنها ستنصاع للأمر الواقع وتنسب أي قرارات شديدة للأزمة؟ وأيضاً كانت بمثابة اختبار لفريق العمل: هل خلق بيئة عمل فعالة ينتج عنه ولاء حقيقي للكيان أم ان العلاقة في النهاية هي علاقة موظف مع شركة؟  الأزمة زادت من اعتزازي واهتمامي ببيئة العمل، وأكدت أن الاستثمار فيها عوائدة تفوق أي مقاييس ربحية. وكما يقول الشعب المصري “قدم السبت  تلاقي الأحد“ أي بادر بالعمل الحسن وسيقابلك الناس بنفس العمل الحسن. 

هم الأهم

عند الأزمات، لا يهم شهادات، وخبرات، ولغات، ومستوى أعضاء فريق العمل والقياديين، البعض يمكن أن يكون ذوي كفائة عالية جداً، لكن الأهم هم الكفائات المخلصة للشركة. حافظ على الكفاءات ذوي الولاء لكيانك، ستجدهم في ظهرك داعمين لك عند الحاجة. 

لا للإجابة الأولى

عند التفاوض، لا تقبل الإجابة الأولى، حاول مراراً وتكراراً واضغط. تعلمت هذا من أحد المدرسين الذين علموني قوة اللغة والكتابة وقدرتها على التغيير. كان يؤكد لنا دائماً أنه يمكن تغيير الكثير من الأمور بمجرد الكتابة، لكن معظم الناس لا تستخدم سلاح الكتابة بشكل فعال، وكان يحكي لنا كيف حصل على تعويضات من شركات، وكيف حل مشاكل كبيرة، وكيف استطاع جلب تبرعات لجهات غير ربحية فقط عن طريق الكتابة. في الأزمة تسلحت بقلمي (أو كيبوردي في عصرنا اليوم) وضغطت بشكل شديد على الشركات التي نتعامل معها من أجل الحصول على تخفيضات للفواتير السابقة للأزمة، وفواتير أخرى خلال فترة الأزمة. لم أقبل قط الإجابة الأولى التي عادة تكون على شكل اعتذار لطيف، ودائماً ما كنت أعاود المحاولة مراراً وأطلب تصعيد الأمر. أعتقد أن إجمالي الوقت الذي قضيته في كتابة إيميلات تفاوضية إن جُمع يمكن أن يصل إلى ٢٠ ساعة من الكتابة، وفرت خلالها للشركة ما يقارب ٢٠٠,٠٠٠ دولار أمريكي. استثمار جيد للوقت في ظل الأزمة، ١٠,٠٠٠ دولار مقابل كل ساعة 🙂  وكل مبلغ تم توفيره ساهم في تخفيض الضغط على فريق العمل، وهذا هو الأهم. 

اكتفي

الحصول على تمويل أمر مهم جداً للشركات الناشئة خصوصاً في المجال التقني، فالهدف من وراء التمويل هو ليس فقط تغطية مصاريف الشركة، وإنما أيضاً تسريع نمو الشركة لكي تحصل على أكبر حصة سوقية. لهذا عادة ما ينصح المستثمرين رواد الأعمال عدم المبالغة في تنمية الإيرادات بشكل مبكر، لأن في ذلك تبطيء لنمو الحصة السوقية، وهذه النصيحة فعلاً سليمة. لكني أنصح أن يعمل رواد الأعمال على تقوية قدرات الشركة التجارية على تحقيق الإيرادات والوصول إلى نقطة التعادل، على أن تكون هذه الآلية غير مفعلة عند وضع نمو الحصة السوقية، ولكنها جاهزة للتفعيل فوراً وبسرعة في ظل الأزمات أو مفاجئات تأخر الجولات التمويلية، وإلا ستصبح الشركة تحت رحمة المستثمرين أو سيتم إفلاسها. يجب أن تكون الشركة بعد أول سنة أو سنتين من عمرها قادرة على الاكتفاء الذاتي إن لزم الأمر وفي أي وقت. 

هم صغار أيضاً 

في ظل الأزمات، لا تنسى عملاءك، خصوصاً صغار العملاء، فهم يواجهون تحديات شبيهة وإن لم تكن أكبر من تحدياتك. لهذا قمنا  بتقديم برامج وتخفيضات وشهور مجانية لعملائنا بسرعة وفور وصول الأزمة، والحقيقة أنه بعيداً عن أهمية هذه القرارات من ناحية أخلاقية، إلا أنها أيضاً مهمة جداً من ناحية تجارية، فمن يريد خسارة علاقته مع عملائه في مثل هذا الوقت أو في أي وقت؟ أتذكر أن أحد العملاء تواصل معي وأخبرني بأنه يمثل مجموعة كبيرة من العملاء اجتمعوا وأتفقوا أنه يجب عليهم التفاوض مع المواقع العقارية وأنه يجب على المواقع العقارية تقديم تسهيلات لهم، وبأنهم في منتصف اختلاف شديد مع الشركات المنافسة لعقارماب وهناك احتمال كبير ان يتم ايقاف التعامل معهم. سألت العميل ما هو المطلوب؟ فأخبرني أن مطالبهم من عقارماب كذا وكذا وكذا، فأخبرته أننا قد سبقناهم وقد أعلنا عن هذه التسهيلات وأكثر قبل أسبوع وبدون أن يطلبها مننا أي عميل. كان موقف مشرف للشركة، وهذه المواقف يتذكرها العملاء جيداً. 

الأولويات

أحياناً ننسى أولوياتنا، شغفنا بأعمالنا وعشقنا للنجاح وسعينا وراء الأرزاق يخلط الأولويات. فبدلاً من التركيز على الدين والعائلة والأصدقاء ومن ثم العمل، أجد نفسي أحياناً أضع العمل في مكانه لا يرتقي لها بأي حال من الأحوال. كانت الأزمة تذكرة بالأولويات، قربتنا إلى ما هو أكثر أهمية وذكرتنا أن ما نسعي وراءه قد يختفي في يوم وليلة، وأنا هناك ما هو أهم بكثير. 

أنت لا شيء 

لا أنكر أني كثيراً ما أغتر بنفسي، ولكن مثل هذه الأزمات تساعدني على معرفة حجمي الحقيقي. فخلال هذه الأزمة تعرضت لضغوطات فاقت قدراتي بمراحل كثيرة، ولولا وجود صف قوي من روؤساء الأقسام بجانبي قاموا بإدارة الشركة وتوجيهها، لما استطعنا 

اجتياز هذه الأزمة. ولولا وجود مدراء وقادة يكنون للشركة الولاء والحب لما تمكننا من السيطرة على اسطولنا الحربي في ظل هذه العاصفة. ولولا وجود فريق عمل شاب، متفائل، ومقاتل لم كانت عقارماب موجودة اليوم. فعلاً، أنت لا شيء بدون فريق عملك. 

أتمنى أن تكون هذه الدروس مفيدة لزملائي في السوق، أعلم أنها قد لا تكون مفيدة في أزمة كورونا، ولكني كتبت هذه السلسلة لأزمات قادمة قد تحصل، لعلها تساعد أو تلهم. 

أخيراً، أحب أن أذكر أنه في اجتماع احتفالنا بإنتهاء الأزمة، وتوثيقاً لذكرى نجاحنا في اجتيازها، قمنا بتوزيع رابط معصم لونه أسود لقيادات الشركة التي ضحت وكانت دائماً في المقدمة، والصورة مرفقة أدناه للتوثيق أن هؤلاء هم من قادوا الأسطول في ظل سواد وعنف العاصفة. رابط المعصم مكتوب عليه جملتين: Viva Aqarmap و Fight. وهناك قصة طويلة وراء هذا التذكار البسيط، لا يسعني ذكرها هنا، ولكن فريق عقارماب يعرفها جيداً 🙂  

الفريق القيادي الذي قاد الشركة خلال أزمة كورونا
ملاحظة: بعض القادة غير موجودين في الصورة وهذا لا يقلل من دورهم.
Black Band

تدوينات السلسلة: 

– المقدمة
١- التوقيت 
٢- الاستعداد
٣- الصدمة 
٤- الصمود
٥- التعافي 
٦- النمو
٧- دروس مستفادة (هذه التدوينة)

3 تعليقات على “٧ – دروس مستفادة: كيف تجاوزت شركة عقارماب أزمة كورونا”

  1. بارك الله بك، إنسان اكثر من رائع وسلسلة اكثر من مفيدة.
    أتمنى لك كل التوفيق و ان تستمر بأثراء المحتوى العربي بهذا المجال.

  2. ربنا يبارك فيك بجد انا فخورة جدا بيك ربنا يوفقك ودايما فى تميز ونجاح وترفع اسم العرب فى كل العالم

اترك رداً على احمد عبد الكريم / العراق إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *