لقد دخلنا عصر جديد يختلف عن العصور السابقة، الآن يمكن للدول الصغيرة والنامية ان تصارع الدول المتقدمة عن طريق تقديم خدمات مميزة بأسعار منافسة. فمع رخص تكاليف إنتقال المعلومات والأفراد والبضائع، أصبح موقع الشركة الجغرافي غير مهم، بل تصب الأهمية على جودة الخدمة أو المنتج وتكلفته. منذ فترة وأنا أفكر في مستقبل الدول العربية التي تحتوي على ثروة بشرية هائلة.. مصر، الأردن، الجزائر، اليمن السعودية، وغيرها، فإني أرى في هذه الدول هند وبرازيل مصغرة لها مستقبل واعد.
قرأت مؤخراً تقرير عن دولة تشيلي التي تقع في طرف أمريكا الجنوبية، حيث قامت حكومة تشيلي خلال العقد الماضي بعدة خطوات ساهمت في نمو اقتصادها المعلوماتي والخدمي ليصل حجمه إلى قرابة مليار دولار. فقد عملت الدولة على تشجيع مشاريع التعهيد الخدمي Outsourcing حيث تقوم الشركات العالمية بنقل وظائفها إلى تشيلي لرخص الأيدي العاملة وجودتها، وهذه الخطوة ليست جديدة على مستوى العالم، فمعظم الشركات العالمية قد نقلت جزء كبير من معاملها ومكاتبها إلى الهند والصين والمكسيك لقلة التكلفة وجودة الموظفين مقارنة بموظفي الشركات في أمريكا أو أوروبا.
وأحب أن أذكر بعض التشجيعات التي تقدمها تشيلي لأي شركة تريد أن تنقل أعمالها إلى البلد: طبعاً، الفيزا تحصل عليها مباشرة وبدون أي تعقيدات أو شروط وجود كفيل، وإن كنت تود القيام بجولة استكشافية لسوق تشيلي فالحكومة تساعدك بتغطية 60% من تكلفة رحلتك. وإن كان مشروعك حجم رأس ماله أكثر من نص مليون دولار، فهناك المزيد من التسهيلات: سيتم منحك 30,000 دولار عند بدأ المشروع كمبلغ تحفيزي، وإن قمت بتسجيل شركتك في أحد القرى التقنية المملوكة للحكومة، فسيتم تغطية تكاليف الإيجار لمدة 5 سنوات، وإذا كنت تفضل شراء أرض وبناء معاملك ومصانعك الخاصة، فستقوم الحكومة بدفع 40% من تكاليف البناء. أما إن قمت بتوظيف موظفين محليين من أهل تشيلي، فسوف تمنحك الشركة بميزانية لتدريبهم تصل إلى 25,000 دولار لكل موظف، وهناك المزيد المزيد..
هذا مثال على دولة نامية تشبه الكثير من الدول العربية، ليست مطورة، فيها فساد وفقر وتخلف، لكنها بالفعل عزمت النية على التغيير والمنافسة في الاقتصاد الدولي. أتمنى أن تقوم مصر أو الأردن أو السعودية أو أياً من الدول العربية بإتباع نفس هذا المنهج التحفيزي والتنافسي، فالثروة الحقيقية في اقتصاد اليوم هي الثروة البشرية !