غريبٌ أنا ..

شاركت قبل 5 أشهر تقريباً في مسابقة جيران للكتابة الإبداعية المتخصصة في مجال ريادة الأعمال. وكتبت مقالة أشرح فيها رحلتي الريادية المتواضعة والتحديات التي واجهتني منذ الطفولة. شكراً للأخ حسام حيدر الذي أخبرني اليوم بأني قد حققت المركز الأول وفزت بجائزة 1000 دولار، فبصراحة لم يتواصل معي موقع جيران منذ أن تم إعلان النتائج قبل شهرين! (تحديث: تم استلام الجائزة يوم 10 يوليو). على أي حال، أترككم مع المقالة الطويلة 🙂 ..

تيقنت مؤخراً أنني أختلف كثيراً عن أصدقائي، قلبت صفحات حياتي فوجدت أن لاختلافي عروق عميقة تنبت من طفولتي، أتذكر الآن كيف كان كل الأطفال يستعدون للمرح والأكل خلال فترة الاستراحة بين الحصص الدراسية، وأنا يلهبني الحماس لبيع الطائرات والقوارب الورقية التي صنعتها في منزلي.

كنت أعد وأتجهز للاحتفالات السنوية التي تقام في المدرسة لأنها البيئة الأنسب لبيع المنتجات وإقامة المسابقات، وأذكر إحدى مسابقاتي التي سببت ضجة كبيرة في المدرسة، فيومها قمت بإحضار دلو كبير وملأته بالماء، ووضعت فيه كوب صغير، وكان على المشارك أن يرمي ريالاً فضياً، فإن وقع الريال في الكوب يكسب الجائزة، وإن لم يقع الريال في الكوب يخسر الريال، وكسبت الكثير من هذه المسابقة؛ لأنها مبنية على ظاهرة فيزيائية تغيب عن الكثير من الناس – فقط قم بتجربتها!

أذكر أنني لاحظت في أحد الأيام قيامي بشراء الكثير من أكياس رقائق البطاطس من الدكان المجاور لمنزلنا، ولاحظت أيضاً أن إخواني وأقاربي يقومون بشراء نفس المنتج من نفس الدكان، وبعد بحث طويل عن تاجر جملة يقبل البيع لطفل صغير، أصبح لدي دكان مصغر في المنزل أقوم من خلاله ببيع منتجاتي لإخواني وأقاربي.

لا أنكر بأن ضميري أنبني أكثر من مرة فلم أدر ما الفرق بيني وبين أصدقائي، وكنت أظن بأنني إنتهازي، لأني كنت أرى في كل شيء فرصة للربح والاستفادة.

أعتقد بأن والدي لاحظ ميولي واهتمامي بالتجارة، لهذا أراد أن يعلمني أن الاجتهاد شرف الرجال، و أن العمل يثمر المال و الغنى عن الآخرين، فبدأ يعرض علي مكافئات مقابل أعمال مختلفة، إبتداءاً بغسل سيارته حتى أصبحت أشرف على إخراج مؤلفاته إلكترونياً.

أفتتحت أول مكتب خاص بي وعمري 17 سنة، وفيه حققت نجاحاً كبيراً، وخلال دراستي الجامعية أنشأت عدة شركات ومشاريع، البعض منها نجح، والبعض منها فشل، لكنني لم أتوقف، ولا أظن أنني سأتوقف.

أجد في العمل الخاص والمغامرة التجارية حلاوة لا مثيل لها، والفشل لا يضايقني إطلاقاً، وكلام الناس واستنكارهم لمخاطراتي يزيدني حماساً ويدفعني لإثبات ذاتي.

في يوم من الأيام، تعرفت على مصطلح إنجليزي جديد خلال دراستي الجامعية – أنتربرانورشب – ما معنى هذه الكلمة؟ لم أفهمها، شدتني بقوة، طلبت من البروفسور شرحها لي بالتفصيل، وكلما تعمق في شرحها وتفصيلها، أحسست بأنه يصفني ويصف تاريخي الحافل بالمغامرات التجارية المبعثرة هنا وهناك.

كنت أظن بأنني غريب، لم أعلم بأن هناك من يشبهني، نعم هناك الكثير، وقد تكون أنت أحدهم! استغربت لماذا لم أسمع عن هذه الكلمة من قبل، فبدأت البحث عن معناها باللغة العربية، وأتصلت بأصدقاء لي وسألتهم عنها، البعض لم يعرف معناها، والقليل ممن عرفها لم يجد لها معنى مباشر باللغة العربية، ولا زلت أجهل ما هو المصطلح السليم (مبادر، مغامر تجاري، عصامي، رائد أعمال، مجاسر، تاجر، …، إلخ )

بدأت أقرأ عن ريادة الأعمال، قرأت العديد من قصص مشاهير كانوا مثلي، فشلوا مراراً وتكراراً ولكنهم في الأخير وصلوا إلى غاياتهم. لاحظت وجود علاقة كبيرة بين الإبتكار وريادة الأعمال، ففي البداية كنت لا أفرق بين الإبتكار والاختراع، فكنت أحاول جاهداً أن أخترع شيئاً، ولكن للأسف لم تكن لدي خبرة كافية في الجانب العلمي، وإنما جل خبرتي كانت في التجارة والإنترنت.

سألت أحد أساتذتي يوماً عن الفرق بين الإبتكار والاختراع، فأخبرني بأن الاختراع هو إنشاء شيء جديد، بينما الإبتكار هو إيجاد طريقة استخدام جديدة لشيء موجود. أدركت بأني أميل بشدة نحو الإبتكار، فكل ما قمت به في تجاربي السابقة هو عبارة عن توصيل نقاط متفرقة، أو كما يقال في علم الاقتصاد ربط العرض بالطلب.

بعد أن أكملت دراستي وحصلت على درجة الماجستير في إدارة التكنولوجيا والإبتكار أدركت بأن الوقت قد حان لكي أقوم بعمل شيء أكبر من مغامراتي السابقة، وكلما حققت نجاحاً، أريد الإنتقال إلى تحدي أكبر.

أريد مواصلة العمل على مشاريعي، ولكن ينتابني الملل بسرعة، ولهذا أبحث عن مشروع أكبر وتحدي جديد، ففي يوم من الأيام تحدثت مع أخي الكبير، وأخبرته عن طموحي في المجال التجاري، فقام بتوبيخي نظراً لقصر نظري وأنانيتي. أخبرني بأنه من السهل على أي شخص أن ينجح ليعيش هو وعائلته حياة كريمة، ولكنه نجاح يتيم قاصر.. فالناجح الحقيقي هو من يغير حياة أمة كاملة ليجلب لها الرخاء والسعادة.

لا أخفي عليكم بأن لأخي الكبير دور كبير في صقل شخصيتي منذ الصغر، فقد كان يشجعني ويدفعني إلى المغامرة واتخاذ القرارات الصعبة، وكان لكلام أخي وقع كبير في نفسي، فأعدت حساباتي وقررت العودة إلى الوطن العربي وترك أرض المهجر لكي أوجه جهدي للسوق العربي لعلي أنجح نجاحاً تصل ثماره لعدد كبير من الناس.

وفي أحد الأيام استيقطت ونهضت بسرعة وبنشاط متوجهاً إلى جهازي المحمول لتفقد بريدي، كنت أنتظر بعض الأوراق المهمة من أحد أعضاء فريقي، فجأة، توقفت وقارنت حماسي في النهوض من الفراش لكي أبدأ العمل على مشروعي وتكاسلي في النهوض من الفراش للذهاب إلى الوظيفة. عندها سألت نفسي.. ما الفرق؟ أليس كلاهما عمل؟ أجبت نفسي.. ولكن مشاريعي عبارة عن هواية، وعندها فقط، أدركت بأنه يجب علي أن أجعل هوايتي وظيفتي، فقررت أن أستقيل من عملي في أقرب فرصة مناسبة، وأتجه إلى الوطن العربي غير باحثاُ عن وظيفة، وإنما باحثاُ عن البيئة الأنسب لتطبيق مشاريعي التجارية.

لا أخفي عليكم بأن الدعم المعنوي من العائلة والأصدقاء كان غير مناسب إطلاقاً، فلم يشجعني على الفكرة أحد، والكل أصر بأنها خطوة متهورة، فمن يترك وظيفة محترمة في شركة عالمية لكي يحاول فتح شركة صغيرة في بلد عربية؟

أدركت بأن هذا عائق يجب علي أن أجتازه، فيبدو أن ثقافة ريادة الأعمال شبه منعدمة في مجتمعاتنا العربية. منذ نعومة أظفار أبناء أمتي يقوم الوالدين والمجتمع بغرز وتعظيم الشهادة الجامعية والوظيفة، ولكن في الحقيقة الوظيفة هي الخيار الأخير وليس الخيار الأول.

لا أنكر بأن الضغط الاجتماعي قد قلل من حماسي وجعلني أدرس الموضوع مراراً وتكراراً، ولكني عزمت النية على إتخاذ هذه الخطوة، فقررت البحث عن مستثمر يساعدني في تمويل مشروعي.

لم أتوقع بأنني سأجد أي صعوبة في الحصول على مستثمر في الوطن العربي، فالدول العربية مليئة بالمستثمرين والكل يسمع عن الاستثمارات العقارية وعن أسواق البورصة العربية، وبدأت بالتواصل مع بعض المعاريف والأصدقاء وعرضت عليهم إحدى أفكاري في مجال الإنترنت، وفوجئت مرة أخرى بواقعنا المرير.

الكثير لا يدرك أهمية الإنترنت، ومعظم من عرضت عليهم الفكرة لم يقتنع بأن المستخدم العربي سيقوم بشراء منتج أو خدمة عبر الإنترنت عاجلاً أم آجلاً. أعلم بأن هناك العديد من التحديات أمامنا، مثل إنعدام الثقة، والحماية، وضعف البنية التحتية، وما إلى ذلك.

ولكن هذا لا يبرر تجاهلنا لهذا القطاع الاقتصادي المهم والسريع النمو. سمعت مؤخراً عن فئة من المستثمرين يعملون تحت مسمى “فنتشر كابتل”، ومرة أخرى لم أجد ترجمة مناسبة لهذه الجملة، ولكن البعض يسميها الاستثمار الجريء. من حسن حظي أن معظم شركات الاستثمار الجريء في الوطن العربي تركز على قطاع الإنترنت والإتصالات نظراً لقلة تكاليف تأسيس الشركات التقنية الصاعدة. تمكنت مؤخراً من التعرف على عدة مستثمرين، وحالياً لازلنا ندرس المشروع ونناقش كيفية تنفيذ عملية الاستثمار وكيفية تقسيم هيكل ملكية الشركة وإدارتها.

معظم المستثمرين أصروا على أن يكون لدي فريق إداري أعمل معه، في البداية أردت أن أكمل مشروعي لوحدي، ولكن سرعان ما اكتشفت بأن هناك جوانب كثيرة أجهلها وأحتاج لمن يعينني عليها. وجدت الكثير ممن لديهم خبرات تفوقني في مجالات عدة، ولكن غالبيتهم كان يبحث عن الربح السريع أو الفائدة المباشرة. لم يكن من السهل إيجاد معتوهاً مثلي مستعد لترك وظيفته ليعمل معي. ولكن، أخيراً وجدت الشخص المناسب لكي يشاركني في المشروع ولازلنا نبحث معاً على المزيد من الشباب للإنضمام إلى فريقنا. لم أتخذ قرار الاستقالة من وظيفتي بعد، ولا زلنا ندرس ونخطط للمشروع، ولكني سأتخذ القرار قريباً.

اليوم وبعد أعواماً عديدة وحينما أراجع تجاربي ومغامراتي منذ الصغر، ألاحظ نمط معين وواضح، ذلك الطفل الذي كان يتفنن في تسويق منتجاته وإقامة المسابقات، استطاع أن يصل بفطرته إلى مفاهيم التجارة والتسويق التي وجدها على الورق بعد 15 عاماً من الغوص في المناهج الدراسية.

كان من الصعب علي تمييز ما أمر به لأني لم أعلم ما هو، ولكن بعد أن تعرفت على مبادئ ريادة الأعمال والإبتكار والمغامرة في النطاق التجاري، أصبح كل شيء واضح. لستُ غريباً؛ أنا رائد أعمال، أو مبادر، أو تاجر جسور، أو مغامر، أو عصامي، سمني ما شئت.. أستطيع أن أقول بكل بساطة وبعيداً عن فلسفة المصطلحات: أنا تاجر.

أعلم بأن هناك العديد من الشباب الذين مروا بتجارب مشابهة لي، من يدري؟ لعلك أنت أحد هؤلاء، قد لا تكون بيئتنا هي الأنسب لأفراد مثلنا، ولكن طبيعة شخصيتنا توجب علينا تغيير هذا الواقع المر. فهناك الكثير من أمثالنا أستطاعوا النجاح في نفس هذه البيئة، ولنتذكر بأننا لسنا مثل بقية من حولنا، نحن لا نرضى بالواقع، والوظيفة ليست غايتنا، وريادة الأعمال هو أسلوبنا، والإبتكار هو منهجنا.. كُن تاجراً

26 تعليقا على “غريبٌ أنا ..”

  1. الديك الفصيح من البيضة بيصيح 🙂
    عقبال ما تيجيك الجائزة و تحلّينا
    😀

  2. الله يعطيك العافية

    اسمتعت بقراءة قصتك و أسال الله أن يجعل عملك خالصا لوجهه الكريم

    و أنتظر مشروعك الريادي على أحر من الجمر

  3. مقال موجز ومركز ، وأكثر ماأعجبني:
    لستُ غريباً؛ أنا رائد أعمال، أو مبادر، أو تاجر جسور، أو مغامر، أو عصامي، سمني ما شئت.. أستطيع أن أقول بكل بساطة وبعيداً عن فلسفة المصطلحات: أنا تاجر.

    أخي عماد .. سر فلا كبا بك الفرس

  4. اتابع مدونتك منذ زمن

    وارى في تدويناتك “الشخصية الرائدة” كما قلت في مقالتك
    لم اقرأ المقالات التي لم تستطع الفوز بالجائزة ولكني متأكد من تفوق مقالتك عليهم

    مررت بتجارب مثلك ….ولكن في صغري لم استطع بيع او كسب شيئ ….
    اما الان فانا اكسب 😀

    بارك الله فيك

  5. السلام عليكم
    فعلا ان تستحق ما انت عليه الان ويا اخي الكبير كل منا ياتي عليه فترات من الخمول والكسل وما ان يلبس الي ان يتحول الي ذالك المارد الذي يحطم القيود ويخرج لينير ضربه مره اخره اتمني لك التوفيق يا اخي واحب ان اساعدك في مشروعك بدون مقابل مادي ان كانت خبراتي الصغيره تفديك ولعلي استفتاد من خبراتك واتعلم من تجاربك …اهم شئ تعلمته في حياته هو حب التعلم والمثابرة مهما كانت الظروف وتحت اي ضغط نحن سنخرج لنير ضرب حياتنا وحياة الاخرين والي المزيد ان شاء الله

  6. did you ever think of getting resources from other countries? ya3ni do you all have to be in one country to form a company? or would you look outside to other arabian countries for partners?

  7. ابداع رائع اخي عماد
    اتمنى لك التوفيق والنجاح
    نحن مثلك انا وزميل لي بدانا منذ سنوات بطرق هذا الباب والبدء في تجارة متواضعة عبر الانترنت
    نتمنى لها التوفيق ولازلنا نستلهم منك التجارب فلا تحرمنا منها
    تحياتي

  8. السٌلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

    فعلا قصٌة مميٌزة لكاتب قوي , وفٌفك الله لما يحبٌه ويرضاه ثم تطلبه
    مشوارك شبيه جدا بمشواري ومواقفي 🙂 , بل بالكثير من الشٌباب العربي ذي الهمم القويٌة

    وأحرٌف قليلا بيت أحد الشٌعراء ليصبح :

    الإدبار ضعق والإقدام قوٌة —– فإذا خيٌرت فاختر الإقدام
    فإذا ندمت عن الإقدام مرٌة —- فلا تندمنٌ على الإدبار مرارا

  9. السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

    كلمة واحدة لوصف السيرة : رائع
    ذكرتني في نقاط عدة بنفسي .. يكفيني أن أستشهد بهذا المقطع
    [..] لا أنكر بأن ضميري أنبني أكثر من مرة فلم أدر ما الفرق بيني وبين أصدقائي، وكنت أظن بأنني إنتهازي، لأني كنت أرى في كل شيء فرصة للربح والاستفادة [..]
    كذلك أنا .. أبقى الله هذا اللسان الفصيح ليجود بقصص تحيي للأمة رجالها !!

    و السلام عليكم .. بارك الله فيك أخ عماد

  10. أول مرة أقرأ هذا المقال , رائع جدا
    سؤال : المسابقة التي ابتكرتها في المدرسة , الدلو والريال
    هل تعتبر كالقمار ؟؟؟!! لعلك لم تنتبه لذلك وقد كنت صغيرا
    ولكن أخشى إذا كانت كذلك أن يقلدك البعض ويأثم

  11. غريبه انا هنا بينكم لكن المقال شدنى واصبحت احدد اهدافي واحد تلو الاخر قد ينتقد البعض ويسخر البعض ولكن كما قال الاخ المسعودى لكلام الناس واستنكارهم يزيدنى حماسا ويدفعنى لاثبات ذاتى

  12. بسم الله الرحمن الرحيم
    إني أحبك في الله
    آخي. أن اللسان تعجز عن التعبير. إنما لنا الفخر جميعا بأنك بيننا ومننا ولنا الفخر بأن نكون أصدقاءك وأخوأنك وأحبابك آخي أنا من متابعينك والله انك أدخلت في قوبنا الأمل الكبير بعد الله سبحانه وتعالى وجزاك الله خير

  13. السلام عليكم
    حقبقة انت راجل مبدع وحقيقة يعجز السان عن مستوى فهمك وفكرك دائماَ موفق بإذن الله

  14. سبحان الله على القدر الذي جعلني أمر بصفحاتك العطرة بالحماس
    المثير أسلوبك الجميل في التعبير عن نفسك والأجمل أن ابني ذو 12 عام له نفس ميولك
    وكنت اتهمه بالمادية كيف يبيع إخوانه ولكن الآن بفضلك بعد الله افكر كيف سأنمي ملكته ؟؟
    أمنياتي لك بمزيد من التوفيق والنجاح مع أزكى التحية والاحترام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *