هذه التدوينة جزء من سلسلة تتحدث عن كيفية تجاوز عقارماب لأزمة الكورونا، أنصح ببدأ القراءة من تدوينة المقدمة.
نحن الآن في منتصف شهر مارس، وأول وأكبر عامل من عوامل الصدمة كان هو إدراكنا أن الجولة الاستثمارية التي كنا في مراحلها الأخيرة والتي بدأ مساهمي الشركة التوقيع على عقودها أصبحت على كف جني واحتماليات نجاحها تقل بنسبة ٥٪ كل ٢٤ ساعة. المستثمر اختفى لبضعة أيام، وردوده بدأت تتباطئ، وكان هذا متوقعاً، لأن المستثمر أيضاً يتعامل الآن مع نفس الصدمة التي نواجهها، وشخصياً أرى أنهم قد تعاملوا مع الموقف بشكل مقبول، فكان هناك نوع من الوضوح وكانت هناك اختيارات لمساعدة عقارماب بأشكال مختلفة خلال هذه الفترة إلى أن تتضح الصورة، ولكن مع ارتفاع تأثير الأزمة على الاقتصاد العالمي أصبحت الحقيقة واضحة وهو أننا لن نتمكن من إنهاء هذه الصفقة.
المشكلة الأكبر التي كانت تواجهنا هي أننا كنا في طور توسع، وعدد الموظفين ومرتباتهم كانت في مستويات قياسية، وتكاليف الشركة مرتفعة وموقف الشركة المالي لن يستطيع تغطية الوضع لفترة طويلة خصوصاً إذا بدأت الإيرادات بالتراجع. والحقيقة أننا تعلمنا من الأزمات السابقة الحفاظ دائماً على مبلغ مالي احتياطي، وكان هناك فعلاً مبلغ جيد احتياطي ولكنه تآكل بسبب تأخر توقيع وإنهاء الجولة الاستثمارية الجديدة، وكنا تحت ضغط مواصلة نمو أرقام الشركة حتى يتم إنهاء الجولة بنجاح، وبالتالي أصبحنا في موقف لا نحسد عليه.
من ضمن العوامل الإيجابية أن السوق العقاري المصري لم يتأثر بالأزمة مباشرة في شهر مارس ٢٠٢٠، وإيرادات الشركة لم تتأثر نهائياً في هذا الشهر، بالرغم من أن الكورونا أصبحت واقع والشركات بدأت بإرسال الموظفين للعمل من المنزل. لهذا حاولنا بشكل كبير تركيز نشاط الفريق التجاري خلال هذا الشهر على تحقيق أهداف الإيرادات، وبالفعل تم ذلك بشكل جيد جداً.
مجلس إدارة الشركة الذي يقوم بتمثيل المساهمين طلب عقد اجتماع طارئ في منتصف شهر مارس، لدراسة الموقف وإتخاذ قرارات مهمة، وبصراحة كان هذا الاجتماع من أصعب الاجتماعات عليا شخصياً، حيث كنت مستبشر ومتوقع أن يقرر المساهمين الحاليين بتغطية أي عجز متوقع، لكن قرار جميع المساههمين كان واضح وصريح، هذه أزمة غير مسبوقة ويجب على الشركة اتخاذ قرارات سريعة وحاسمة وتقليل تكاليفها فوراً، لأن الأزمة حسب توقعهم حينئذ ستدوم لمدة سنة أو سنتين و لا يمكن أن نتعامل بمبدئ التفاؤل خصوصاً أن غطاء الشركة المالي لن يكفي لمدة أكثر من شهرين إذا لم يتم تخفيض التكاليف بشكل أكبر. بالرغم من صعوبة تقبلي لمحتوى الاجتماع، خصوصاً في الجانب الذي يتعلق بتسريح ٥٠٪ من فريق العمل، إلا أن خبرة أعضاء مجلس الإدارة ساعدني في فهم حجم المشكلة وإتخاذ قرارات مختلفة أجدها اليوم من أسباب نجاحنا في تخطي الأزمة.
أخر اسبوعين من شهر مارس كانت صعبة جداً، مليئة بالترقب والحيرة والنقاشات والاجتماعات بيني وبين مجلس الإدارة من جهة وبيني وبين رؤوساء أقسام الشركة من جهة أخرى. في نفس هذا التوقيت واجهت تحديات شخصية وكان عليا إتخاذ قرارات شخصية مهمة يمكن أن يكون لها تأثير سلبي على الشركة أيضاً. في الحقيقة كانت فترة صعبة بكل المقاييس ولم يسبق لي أن أمر بأزمة وضغط على هذا المستوى.
أكبر تحدي كان يشغل بالي ليلاً وصباحاً هو موضوع تسريح فريق العمل، خصوصاً أنهم لن يستطيعوا البحث عن عمل أخر في فترة الأزمة وأن جزء كبير منهم لديهم التزامات مادية، وهم من ساهم في بناء عقارماب، فكيف لنا أن نتخلى عنهم في هذا الوقت. أذكر أنه في نفس هذا التوقيت تم انعقاد اجتماع زوم بين مجموعة كبيرة من أصحاب الشركات التقنية في مصر، وكانت هذه هي النقطة الرئيسية التي تحدث عنها الجميع بوجود خبراء شؤون موظفين وخبراء قانونيين، وكان واضح جداً أنه لا يوجد حل ممتاز أو حسن وأنه لا يوجد اجماع على حل يناسب الجميع، لأن لكل شركة ظروف مختلفة، بعض الشركات كانت على وشك الإفلاس، وبعض الشركات كانت في وضع ممتاز، ولكن سماع وجهات النظر المختلفة ساعدني على تكوين تصور أفضل وأيضاً أدركت أن المشكلة ليست مشكلة عقارماب فقط، وإنما هي أزمة عالمية فعلاً.
كان هناك اجماع لدينا في إدارة عقارماب على أننا سنقوم بتخفيض وإيقاف جميع التكاليف قبل أن نتطرق لموضوع المرتبات، وأيضاً أننا سنبدأ البحث عن مصادر إيرادات جديدة تتناسب مع وضع الأزمة الجديد، لكن موضوع تسريح الموظفين كان شائك جداً، وكانت أمامنا اختيارات كثيرة:
– تسريح أعضاء الفريق الجدد الذين لايزالون في مرحلة الاختبار (أول ٣ أشهر) حيث كان عددهم يمثل ٢٠٪ من الشركة لأننا كنا في طور توسع سريع.
– إعطاء أعضاء الفريق الذين لن يكون لديهم دور مهم في المرحلة القادمة إجازة بدون مرتب على أن يتم إرجاعهم للعمل بعد الأزمة.
– التعامل مع فريق العمل بأشكال مختلفة على حسب القسم والمنصب وعلى حسب أهمية عملهم في المرحلة القادمة.
– تحديد التعامل مع فريق العمل بحسب ظروفهم الشخصية، فمثلاً الشخص المعيل والذي لديه عائلة ظروفه غير الشاب الأعزب.
– تسريح أعضاء فريق العمل ذوي الأداء الأضعف والحفاظ على ذوي الكفاءة والأكثر إنتاجية.
– الإنتظار قبل إتخاذ قرار صعب مثل هذا إلى نهاية شهر أبريل أو مايو بما أن لدينا مبلغ يكفي شهرين، وبعد ذلك نتخذ أي قرار.
الجميل أني كنت دائماً استمتع وأبدع في نقاش دراسات المواقف الإدارية الصعبة من Harvard Case Studies خلال فترة الدراسة، حيث يتم عرض علينا كطلاب مواقف تواجه شركات، ونقوم بتحليلها واقتراح كيف يجب على إدارة هذه الشركات التعامل مع الموقف. الفرق بين الكلام النظري والتنظيري في ساحات الجامعات لا يمت بصلة لإتخاذ قرار على أرض الواقع مع زملاء بينك وبينهم عيش وملح وتعرفهم بالإسم وتعرف طموحاتهم وأحلامهم. شباب وشابات شاركوك حلم بناء قصة نجاح، والآن أنت أمام قرار صعب ومصيري له تداعيات على استمرارية الشركة من جهة وعلى هوية الشركة وثقافتها المستقبلية من جهة أخرى. في التدوينة القادمة سأتحدث عن القرار الذي اتخذناه وكيف صمدنا مع الأزمة.
تدوينات السلسلة:
– المقدمة
١- التوقيت
٢- الاستعداد
٣- الصدمة (هذه التدوينة)
٤- الصمود
٥- التعافي
٦- النمو
٧- دروس مستفادة
4 تعليقات على “٣ – الصدمة: كيف تجاوزت شركة عقارماب أزمة كورونا”