بيع مكتوب لياهو فوز أم خسارة؟

لاحظت بأن الكثير يعتبر صفقة مكتوب وياهو غلطة كبيرة وخيانة للمستخدم العربي واحتلال فكري وهزيمة وضعف .. إلخ. من وجهة نظري أرى بأن هذه الصفقة مهمة جداً للقطاع التقني. أعتقد بأن هناك أسباب عديدة تجعلني مقتنع تمام القناعة بأن هذه الصفقة تعد فوز كبير للقطاع التقني العربي، وإليكم سببين رئيسيين:

1. استقطاب المستثمرين: الكثير لا يدرك كيفية تفكير الشركات الاستثمارية، فالبعض يظن بأن الشركة تستثمر مبلغ معين للحصول على نسبة معينة من شركة أخرى، وبهذه الطريقة تستلم أرباح صافية آخر كل سنة. صحيح أن تحقيق الأرباح عامل مهم للمستثمر، لكن الأهم هو ما الذي سيحصل للشركة بعد 3 أو 5 سنوات.. باختصار معظم المستثمرين يبحثون عن إحدى النتيجتين: بيع الشركة وتحقيق ربح كبير، أو اكتتاب الشركة في البورصة وبيع أسهمهم بأسعار عالية. استمرار الشركة ونموها وتحقيقها لأرباح تقليدية كل سنة لا يعتبر نجاحاً كافياً لأن رأس المال متجمد في الشركة، والمستثمر يريد استعادة مبلغه بأرباح كبيرة لكي يستثمره في مشروع آخر. لهذا، يعتبر بيع مكتوب لياهو نجاح كبير لإدارة الشركة، ولجميع المستثمرين المساهمين فيها.

2. نمو الاقتصاد: لو أن سميح طوقان وفريق مكتوب استمر في إدارة الشركة وامتنعوا عن البيع فلن يقدموا شيء جديد يعتبر قفزة نوعية. سيضطروا لإدارة الشركة كما هي وتطويرها بشكل تدريجي، ولن ترحمهم ألسنة المحللين التقنيين العرب الذين طالما انتقدوا غياب الابتكار والإبداع في منتجات ومواقع مكتوب. ولكن، يمكننا أن نقول بأن صفقة مكتوب وياهو قدمت فرصة جديدة لفريق له نجاح سابق ولديه الآن رأس مال قوي لتقديم خدمات جديدة. مكتوب سيبقى كما هو، بل سيتحسن لأن لديه إدارة جديدة، وسميح طوقان وفريقه سيتجه إلى تقديم منتجات وخدمات جديدة.

أعلم بأن هناك من سيجادلني في صحة هذا التحليل. أدعوكم لمقارنة القطاع التقني العربي مع القطاع التقني الإسرائيلي بعيداً عن السياسة والدين. شهد القطاع التقني لدى العدو الإسرائيلي نمواً هائلاً، وكانت عمليات الاستحواذ والبيع من أهم مقومات هذا النمو الكبير:
– 1996: AOL الأمريكية اشترت Mirabilis الإسرائيلية مقابل 650 مليون دولار
– 2000: SAP الألمانية اشترت Top Tier الإسرائيلية مقابلة 400 مليون دولار
– 2005: eBay الأمريكية اشترت Shopping.com الإسرائيلي مقابل 650 مليون دولار
– 2008: PayPal الأمريكية اشترت Fraud Sciences الإسرائيلية مقابل 180 مليون دولار
–  شركة Cisco الأمريكية اشترت 9 شركات إسرائيلية بملايين الدولارت

بصراحة، القائمة تطول .. ولولا خوفي من أن يتهمني بعض الأخوة بالتطبيع مع إسرائيل لواصلت سرد الصفقات التي تمت في قطاعهم التقني. الشاهد على القول هو أن عملية بيع الشركات يعد نجاح بدون أدنى شك، وأنه مهم لجذب الاستثمار وتشجيع رواد الأعمال والتنمية الاقتصادية.

وتلك الأيام نداولها بين الناس

يجمع المؤرخون على أن كل إمبراطورية تصعد مصيرها هو الإنهيار في يوماً من الأيام. فالأمر حصل للفرس والروم والمسلمين قديماً، وفي تاريخنا القريب شهدنا هذه الدورة مع الإمبراطورية الفرنسية والبريطانية والألمانية والروسية واليوم لعلنا نشهد إنهيار الإمبراطورية الأمريكية. لست من هواة السياسة، ولكني أحاول أن أفهم التاريخ لكي استخلص منه دروساً تجارية قد تكون لها دلالات تفيد الشباب العربي الطموح.

حدثني والدي أنه في أيام شبابه كان المنتج الياباني سيء الجودة، وكان الجميع يفضل المنتجات الأمريكية، وخلال فترة قصيرة جداً اقتلبت الموازين وأصبح المنتج الياباني من أعلى المنتجات جودةً وأكثرها حداثه، واصبحت العديد من المنتجات الأمريكية سيئة الجودة وغير مرغوبة. استغربت من سرعة وكيفية التغيير، وبدأت أفكر وأتساءل عن إمكانية تكرار مثل هذه الدورة بسرعة في قطاعات أخرى. مؤخراً بدأت أفكر في منتجات التايوان، أذكر أنه منذ فترة وجيزة كان إسم التايوان يقرن بالجودة الرديئة والمنتجات الرخيصة، ولكن التايوان اليوم تنتج أحدث الأجهزة التقنية والمعالجات المتفوقة والبطاريات الحديثة. فمثلاً هاتف iPhone المصمم في أمريكا، يتم صنع 50% من قطعه في التايوان! شركة هيونداي الكورية حققت قفزات كبيرة مؤخراً، ودولة الهند قلبت الموزاين التقنية خلال هذا العقد. هناك أمثلة كثيرة عن دول وشركات استطاعت تغيير مرتبتها في الإقتصاد العالمي ورفع جودها وتغيير موقعها في قائمة المتميزين.

إذاً، التغيير ليس مستحيل ولا يستغرق قرون، وإنما يمكن أن يحصل خلال سنوات قصيرة وعلى أيدي أفراد وشركات. مهما كان واقعنا اليوم، فهذا لا يعني أن الحال سيستمر هكذا. يجب علينا أن ندرك أننا لم نفق بعد من حالة الإغماء التي أوصلنا إليها الاستعمار، لازلنا في المراحل الأولى من النهوض، وأمامنا فرص كبيرة في شتى المجالات.

دلني على السوق

كتبت من قبل عن مصطلح Entrepreneurship – ريادة الأعمال، وكنت أظن بأن هذا المصطلح ليس له ترجمة باللغة العربية وأنه غير موجود في ثقافتنا، وعندها انتقدني أحد الأخوة وذكرني بقصة الصحابي الجليل عبدالرحمن بن عوف الذي قدم إلى المدينة المنورة مع المهاجرين، وعرض عليه الصحابي الجليل سعد بن الربيع الأنصاري نصف ماله وإحدى زوجتيه، ولكنه اعتذر عن قبول العرض وقال لأخيه سعد: “دلني على السوق”. توجه عبدالرحمن بن عوف إلى السوق وباع واشترى ثم اشترى وباع، وخلال فترة قصيرة أصبح مليونيراً في زمن يصعب فيه الوصول إلى هذا المستوى من الغنى.

قضيت هذا الأسبوع أردد هذه الجملة في ذهني مراراً وتكراراً، وأخيراً قررت أن اكتب هذه التدوينة. ما أحوجنا اليوم لهذه العقلية التجارية، فقد وقع الكثير من الشباب في فخ الوظيفة. لا أنكر بأني موظف حالياً، ولكن لدي أعمالي التجارية الجانبية، وكل يوم أحدث نفسي بالإستقالة والاعتماد كلياً على مشاريعي. لا أدري ما الذي أوصلنا إلى هذا المستوى، أصبح شبابنا غير قادر على إتخاذ القرار أو التفكير بطريقة للحصول على الرزق الحلال، الكل يبحث عن وظيفة ويشتكي من إنعدام الوظائف وإرتفاع نسبة البطالة. أين تراث العرب التجاري؟ أين تجار البن والبهارات والحرير؟ أين من تاجر ببضاعة الهند والسند وأوصلها إلى أوروبا وأفريقيا؟

يجب علينا أن نفكر ملياً في مقولة عبدالرحمن بن عوف “دلني على السوق”. اليوم، كلنا يعرف السوق، وكلنا يعرف كيف يصل إليه، ولكن ما ينقصنا هو الشجاعة والقدرة على تحمل المخاطرة للبدء بمشاريعنا الخاصة. كُن تاجراً !

إذا لم تتوفر لك الظروف المناسبة، أصنعها !

اليوم أحب أن أشارككم قصة المخترع السعودي مهند أبو دية. سمعت عنه أول مرة عندما أعلن عن اختراعه لغواصة فاقت الاختراعات اليابانية والأمريكية. سعدت جداً بوجود مثل مهند، ولكني صدمت قبل فترة وجيزة عندما علمت أنه تعرض لحادث أفقده بصره وإحدى رجليه.

بعد هذه الكارثة، ما الذي قام به مهند؟ هل ندب واشتكى أما اجتهد وأنتج؟ بالفعل قصة مهند مثال لكل الشباب المتذمر من واقعه الخالي من الصعوبات والتحديات الحقيقية. أتمنى أن نجد جميعاً في قصة مهند حافز لنا لكي نبدع وننتج ونكف عن البكاء.