قصص من أمريكا – تحديات

اليوم سأحكي لكم قصة ٣ أصدقاء تعرفت عليهم خلال فترة دراستي في أمريكا، وسأحكي لكم طموحهم وأحلامهم الأكاديمية والتحديات التي قابلتهم. في البداية لا بد أن أقول بأن كيفية تحديد تخصص الطالب في الوطن العربي سيئة جداً.. صحيح أن هدفي من سلسلة قصص من أمريكا هو إثبات أن الوضع في الوطن العربي مقبول وأن هناك تحديات يقابلها الطلاب في الغرب أيضاً، لكن الحقيقة أن اعتماد معدل التخرج من الثانوية العامة لتحديد تخصص الطالب يعد كارثة، فالعالم كله يستخدم طموح ورغبات الطالب لتحديد تخصصه وليس ما يمليه عليه حظه في اختبار شمل عدة مواد قد تكون بعضها غير متناسبة مع اهتماماته.

بعد هذه المقدمة، أخبركم عن ٣ شخصيات قابلتها في أول سنتين لي من الدراسة وعملت معهم في قسم تنظيم أنشطة الطلاب:
براندن شاب أمريكي أبيض البشرة، طويل القامة، أشقر الشعر، أخضر العيون، رياضي ويتمتع بذكاء ملموس، وشخصيته اجتماعية، حلمه هو التخصص في الهندسة المعمارية، كان دائماً يحول أي مشروع عادي إلى مشروع هندسي، فعندما نقرر تصميم لوحة للإعلان عن حدث ما يبدأ بأخذ الحسابات ورسم المخططات.. توقعت لبراندن مستقبل باهر.
بريتني شابة أمريكية لا داعي لوصف ملامحها لكي لا نفتن الشباب، ولكن يكفي أن نقول بأنها خلوقة ومن عائلة محافظة، كانت تخطط لأن تتخصص في مجال هندسة الطيران وتطمح لأن تلتحق ببرامج ناسا لاستكشاف الفضاء. توقعت لبرتني مستقبل باهر..
روبرت شاب أمريكي من أصل مكسيكي، ملامحه عربية، بشرته سمراء، رياضي ويهوى كمال الأجسام، وكان رئيس إتحاد طلاب الجامعة حينما تعرفت عليه. كان يتعاطف معي ومع المسملين وقد زار مسجدنا عدة مرات وساهم في إنشاء نادي الطلاب المسلمين في الكلية، لعله كان أقربهم إلي كصديق. كان يعمل في السابق كشرطي، والآن يدرس ليصبح محامياً. توقعت لروبرت مستقبلاً باهراً.

براندن وبريتني وروبرت كانوا ضمن مجموعة مختارة بعناية من ضمن أنشط الطلاب في الجامعة، وكلهم حصلوا على تدريب إضافي في فنون إدارة الحياة وتنظيم الوقت والقيادة والتعامل في المجتمعات المتعددة الأجناس.. إلخ. بالفعل توقعت لهم مستقبل باهر بكل المقاييس. ودعتهم عند تخرجي وكلاً بدأ في ملاحقة حلمة، وبعد مرور عدة أعوام، شاءت الأقدار أني ألتقيت بروبرت وبريتني بالصدفة. روبرت كان يائساً بدون عمل منذ فترة، زوجته طلقته، وطلب مني مساعدته في البحث عن وظيفة، عندما سألته عن نوع الوظيفة، أجاب: أي وظيفة يا أخي. عندها فهمت أنه لم يكمل دراسته. بريتني ألتقيت بها في أحد الأسواق، وكنت متحمس جداً لسماع قصصها عن ناسا ولكنها فاجئتني بأنها تعمل سكرتيرة وأنها تنازلت عن أحلامها ولم تكمل دراستها. لا أذكر من أخبرني عن وضع براندن الذي كان أذكاهم جميعاً، ولكنه أيضاً لم يكمل دراسته، وأكتفى بالعمل كنادل يصب الخمر لمن يريد أن ينسى هموم الدنيا !

لا أستطيع أن أفصل أسباب فشل هؤلاء الشباب الذين كانوا يعدون من قادة الطلاب في كليتنا، لكني أتوقع أن تكون تكلفة الرسوم الباهضة، وعدم وجود ضغط كافي من المجتمع على أهمية إكمال الدراسة الجامعية ضمن أسباب فشلهم الأكاديمي. أردت أن أسرد هذه القصة لكي يتوقف الشباب العربي عن انتداب حظهم والتذمر من عدم وجود الفرص، فالحقيقة أن في كل مجتمع تحديات قد تختلف في نوعيتها ولكنها تبقى تحديات صعبة يجب اجتيازها لتحقيق النجاح.

12 تعليقا على “قصص من أمريكا – تحديات”

  1. سرد رائع عماد

    ذكرت بخاتمة مقالك جملة من الأسباب ، وأحب أن أركز على واحد منها أثره واضح علي ، وهو الضغط الكافي ممن حولك والتكاتف الإجتماعي والسؤال عن الأحوال ، فقد كان دافع كبير لي ليس لاكمال المسيرة فقط بل للتفوق والنجاح ، كل ذلك لكي لا أخيب آمال من يسأل عني ويهتم بأحوالي ، وأعتبر هذا وقود لي والحمدلله هناك طاقة موازية داخلية في حال نفاد ذلك الوقود لا سمح الله.

  2. سلام من الله عليكم ..
    فعلاً هذا ما سمعتة في امريكاً و سمعت ايضاً ان الوالدان عندما يرزقان بطفل اول شيء يقومان بفعلة فتح حساب و إدخار بعض المال لمساعدتة في دخول الجامعة !!!
    اتسأل هنا لماذا هذه الصعوبة في الإلتحاق بالجامعة حتى على ابناء البلد…!
    ألا توجد منظمات مثلاً لمساعدة مثل هؤلاء الشباب!؟؟؟

  3. كيف أقنع والدي أنه بإمكان تعليمي أن يوصلني لوظيفة يفوق دخلها ال20 ألف ريال إذا كان يرى أن إستلام 2000 ريال كعامل مستودع يعتبر كفاية ؟؟

  4. السلام عليكم أخي عماد،

    أنا من متابعيك منذ فترة طويلة وأضفت عدة تعليقات على عدة تدوينات سابقاً.

    بخصوص سلسلة قصص من أمريكا أنا متفق معك على الهدف من السلسلة، وأن الإنسان الناجح يبحث عن أبسط فرص للنجاح سواءً في أمريكا أو في أوروبا أو حتى في بلادنا العربية أو حتى في مجاهل إفريقيا.

    لكن بصراحة من غير الإنصاف مساواة احتماليات الفرص بيننا وبين الغرب وبالذات أمريكا، لا شك أن في أمريكا على الإنسان أن يجد ويتعب لكي يقطف حصيلة تعبه، لكن الفرق الجوهري أن طريقك هناك واضح، وأنك إن جددت ستجد في النهاية ـ طبعاً النتائج كلها بيد الله عز وجل، ولكن نحن نتحدث عن احتماليات فرص ـ، فمن خلال الحديث عن الجامعات والتدريس في اليمن أو بلداننا العربية وفي أمريكا فلا مجال للمقارنة، تكفي بيئة التدريس الاحترافية لتشكل فارقاً.
    في أمريكا لن تجد مدرساً للمادة لا يفقه أي شيء من مادته كما هو الحال في بلداننا، وفي أمريكا يحرص الأستاذ حتى آخر لحظة ليسمع منك أو ليقنعك أو تقنعه، هذا إذا لم نتكلم عن أسلوب الامتحانات الذي نوهت له في مقالك والذي يشكل فارقاً هاماً في تعويد الطلاب على فهم المطلوب منهم في المادة أو تعويدهم على حفظ المادة لنسيانها بعد دقائق من التأكد أن المادة قد نجحت وانتهت.

    كما أن هناك فرقاً كبيراً في بيئة العمل التي تصقل الشخصية وتركز على تنمية الإمكانيات والمهارات، على عكس بيئة العمل العربي التي تعاني من الترهل وسيطرة شخصيات ضعيفة فكرياً وإدارياً على مراكز صنع القرار، واضطرار أي إنسان عنده تميز لأن يقضي نصف عمره يحاول أن يقنع هذه الشخصيات التي لا أمل في تغييرها.

    أنا لا أستطيع أن أتكلم عن الأستاذ عماد، لأنه هو الأقدر مني على أن يتكلم عن نفسه، لكن أظن أن الأستاذ عماد الذي نراه اليوم ما كان ليكون لو بقي في اليمن دون أن يرى عالم الأعمال الحقيقي في أمريكا.

    آسف للإطالة، لكن فكرة أخيرة ضرورية لإيصال فكرتي، وهي أنني من محبي بلادي المسلمة ومن الذين يهدفون لبذل كل طاقتهم لرفع شأنها، لكن هذا الأمر يجب أن لا يكون مانعاً لأن أدرك حقيقي نفسي وواقعي

    والسلام عليكم

  5. شكرا باستاذ عماد على ماقدمت وبالرغم انني لااوافقك في الرئ عن السبب الثاني الذي ربما ادى الى فشلهم لان الانسان الطموح دائما يتحدى ويتجاوز الصعاب عبر مراحل حياته ومنذ بداء تكوين شخصيته …ولكن اتمنى الطالب والطالبه العربي (ة) ان يستفاد من الحكاية …….وبالمناسبة الطالب المهمل (وهو ايضا طويل القامه اشقر الشعر نحيف جدا) الذي قابلته وتعرفت علية عندما كنت طالب ماجستير في قسم الجيولوجيا بجامعة مونتانا في عام 1981 اصبح اليوم عضو في فريق من وكالة ناسا يهتم بدراسة جيولوجية سطح المريخ … وفي الاول والاخير التوفيق من عند الله…… وشكرا مرة اخرى

  6. أخي عمر.. واصل معي في السلسلة وستصل لقناعة بأن الفارق ليس بالشاسع.. هناك فرق نعم، ولكنه ليس بالقدر الذي نتخيله.. سأواصل سرد القصص حتى نصل إلى قناعة بأنه يمكن اجتياز هذه الفوارق بقليل من الجهد الفردي.. كلامك واقعي بالطبع، دعنا نسمع المزيد من القصص ونحكم بعدها..

    الدكتور صلاح الخرباش، شكراً على مرورك. شكراً على التنوية على أهمية الجهد الفردي، وأيضاً مسألة التوفيق من الله أمر لا شك فيه.. والدنيا أرزاق..

  7. شكرا عماد قصص تتكرر في جميع المجتمعات وفيها تحديات وصعوبات
    عقول عظيمة واحلام كبيرة والنتيجة ممكن ان تكون في صالحنا او نضيع مع الزمن وهذا قرار راجع لنا وضروف تمر علينا.

  8. أنا أعلم أن هدفك مطلوب وهو تشجيع الشباب العربي على العمل في بيئتهم دون يأس لأنه بذلك تتقدم البلاد، وإنت كنت أضم صوتي لغير المقتنعين بمنهج اختيار الأسوأ من القصص الأمريكية لتشجيع الشباب العربي. فالمطلوب هو الأمل والعمل وليس الرضا عن الذات وعدم الواقعية في تقييم الذات والآخر. لان الواقع اننا لو قبلنا منطق ان الفروق بسيطة بيننا وبين امريكا فالخلاصة ستكون أن العرب قوم متخلفون بالفطرة وغير قادرين على انجاز اي شيء!!! فكر قليلا في ذلك، لو كانت الفرص بالفعل متساوية وامريكا بهذا السوء بالفعل فلماذا اذن سبقونا بمئات السنين من التقدم؟ اذن الخطأ فينا نحن لأننا نفشل وهم ينجحون مع ان الفرص متقاربة! ولا تنسى ان لامريكا فضل كبير في الانترنت والتدوين والفيس بوك وهي الادوات التي يستخدمها العرب في ثوراتهم الحالية.

  9. نقاش غني.. أحببت أن أشارك فيه
    أتفهم دوافع المسعودي وأهدافه.. إنما من يعيش ويدرس في واقعنا العربي السيء يكاد لا يرى نوراً بعدما يخرج من كليته لأسباب عديدة ذكروها من قبلي

    سأضيف عليها نقطة بسيطة وهي أنه يكفينا من الضرر أننا ضيعنا أربع أو خمس سنوات في هكذا مؤسسات تعليمية فاشلة.. بل أهم سنين حياتنا في تحصيل اللاشيء بل أتجرأ لأقول تحصيل الفساد الإداري وبقايا العلم القديم البالي المعقد عديم الفائدة.. ليست نظرة تشاؤمية.. هذا للأسف هو الواقع.. لذلك لن أسمح لأبنائي وأخوتي وكل من أحبهم أن يقضوا شبابهم في هذه المنشآت التي تسمى جامعات أو كليات

    على الشباب العربي البذل الكثير من الجهد الفردي العالي بالإضافة إلى تكوين فرق عمل حقيقية تستطيع مواجهة التحديات

  10. انا دائما من اشد المعجبين بك شخصيا وبكاتباتك ولكن من وجهة نظري احب سماع وقراءة قصص النجاح والتفائل على قصص اليأس والفشل خصوصا في الواقع اللذي نعيش فيه في الدول العربية والمؤسسات التعليمية .

  11. أتعرفون أن هذه العوائق كلها نعم من السماء … نعم نعمة
    فعالمنا الملئ بالفساد والجهل والامية والروتين و البطالة و التكالفة تعتبر بيئة أغنى من البيئة الغربية التي توفر كل سبل النجاح من تفهم ومعرفة و مرونة في التعامل
    فسأعطيكم مثال بسيط وهو مقتبس عن قصة عربية حقيقية رواها لي والدي
    كان هناك طفل يدعى فادي ولد في الحرب في قرية منقوعة في الفقر وجو ملئ بالانقسامات و الحزازيات
    لذى شد أهل فادي الرحال واغتربوا في احدى البلاد العربية لكن ظلت حالتهم تعيسة
    فالمدرس من عينة أستاذ فهيم الي بيدوا دروس خصوصية الظهر وبيناموا الصبح ماسك مبدأ التكرار بيعلم الحمار ونازل في الطلاب تحفيظ في مقرر من حرب الهكسوس
    المهم درس فادي في مدرسته التعيسة ووالده يعمل محاسبا في احدى االشركات بالاضافة لتطوافه على المحلات الصغيرة ليدخل دخل اضافي لعائلته ووالدته ربة منزلتعمل خياطة وتطبخ الطعام وتبيعه للموظفين
    المهم كان لدى فادي صندوق قديم و خرز متبقي من عمل امه و ملعقة خشبية
    فعمد الى وضع بعض الخرز في الصندوق الصغير واغمده بطرف الملعقة الخشبية ثم زينها ببعض الاشرطة و الخرز فأصبحت تشبه الخشخاشة اليابانية و اخذها الى المدرسة حيث التف اقرانه حوله وسألوه عن هذه اللعبة الغربة فهم متعودون على توم ويري و بوكيمون ولم يسبق لهم أن رأوا العاب تقليدية وغريبة كهذه فقال انها لعبة من الصين لايوجد منها سوا واحدة معه هناتهافت الاطفال على شرائها منه حتى باعها ب 3 دنانير وهو مبلغ كبير لفطعة من الخردة
    فعاد وصنع المزيد منها وباعها لأقرانه ولأصحابه في الحي
    وتوالت التجارة معه حتى غدى شابا ناضجا وافتتح مصنعا محليا لانتاج هذه اللعبة و غيرها من الالعاب التقليدية منخفضة التكاليف كلعبة البيناتا المكسيكية – الكيس الممتلئ حلويات والذي يجب ضربه وانت مغمض العينين حتى تحصل على ما بداخلها- بالاضافة للعديد من الالعاب الاخرى ودخل في عدد من الاعمال التجارية ح-يث أصبح يصنع العباءات العربية في الكويت – بلد الاغتراب – ويصدرها الى لبنان حيث هناك اقبال على هذه المصنوعات و يستورد مواد تجميلية وعطور من لبنان ويروج لها في الكويت وغيرها من الاعمال
    لقد تغلب فادي على جهل استاذه “فهيم” الذي لطالما عايره بأنه حالم
    وعلى وضع أهله المعيشي الصعب
    واستطاع منذ صغره ان يصنع من المهملات ثروة ومبدأه في الحياة الحاجة ام الاختراع وطالما هناك حاجة يجب أن تلبيتها اذن هناك طلب و عرض ونقد وسلعة ودائرة التجارة تدور
    ارجو ان لا اكون قد أطلت عليكم
    وان تعجبوا بحكاية فادي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *