عن الاستثمار في الشركات الناشئة

مؤخراً، أنهالت علي أسئلة كثيرة عن حجم الاستثمار الذي تم ضخه في شركة عقار ماب، والكثير يحب أن يعرف الأرقام وللأسف لم أستطع أن أعرض الأرقام لعدة أسباب، لكني أبشر الجميع بأننا حصلنا على استثمار قوي سيمكننا من تنفيذ تطويرات وتوسعات كبيرة قريباً. أعجبني أن بعض الأخوة لم يسألني عن الأرقام بل عن الكيفية وعن تجربتي مع المستثمرين، لهذا قررت أن أكتب هذه التدوينة عن الاستثمار في الشركات الناشئة. 

أولاً، أحب أن أوضح أن الاستثمار في الشركات الناشئة يعتمد على عمر الشركة ومرحلتها، وقد سبق أن تطرقت لهذا الموضوع في السابق، فهناك فرق بين التمويل في طور الفكرة، وطور المشروع، وطور الشركة الناشئة، وطور الشركة التي تحقق أرباح. لكني سأركز اليوم على المراحل الأولى من المشاريع الناشئة.

كما يعلم العديد، واجهنا تحديات حقيقية في الحصول على التمويل، وأضطررنا والحمدلله للتمويل الذاتي Bootstrapping وهذه التجربة كانت متعبة جداً ولكننا أستفدنا منها بشكل كبير، فقد ساعدتنا على التركيز على لب المشروع وفكرته الأساسية وأيضاً على رسم خطط مالية تقشفية 🙂 وبعد فترة طويلة تجاوزت السنة بدأ اهتمام المستثمرين يتزايد حتى وفقنا الله في إتمام الصفقة مع شركة N2V ومستثمرين آخرين من دول عربية مختلفة.

الحقيقة والذي قد يفاجئ الكثير من الشباب هو أن المستثمرين لم يستثمروا في الفكرة وإنما استثمروا في فريق العمل، فالفكرة لم تتغير كثيراً من عام ٢٠١٠ إلى عام ٢٠١١، وإنما ما حصل هو أن فريق عمل عقار ماب استطاع إثبات جديته في المشروع ورغبته الشديدة في تحقيق النجاح، وهذه هو بالفعل ما شد المستثمرين. طبعاً فكرة المشروع مهمة، ونحن نؤمن بأن السوق العقاري العربي مليئ بالفرص، ولكني أشدد على مدى أهمية جدية فريق العمل في ترك كل شيء والتركيز على تنفيذ المشروع. هل أنت مستعد لبيع كل ما تملك وإنفاق مالك الخاص وربما بيع لابتوبك من أجل تمويل فكرتك وتوظيف شباب وتسويق الفكرة لمدة عام حتى تثبت جديتك للمستثمرين؟ هل أنت مستعد لمثل هذه المغامرة وهل تظن أن فكرتك تستحق مثل هذه المغامرة أم أن المخاطرة كبيرة جداً؟ إن كانت المخاطرة كبيرة بالنسبة لك، فكيف تتوقع من المستثمرين أن يثقوا بك وبفكرتك؟

البعض سألني عن النسب.. كم من أسهم الشركة يتم إعطاءها للمستثمرين؟ طبعاً لا أستطيع أن أعطي تفاصيل دقيقة، ولكن لدي قوانين كنت استخدمها عند التعامل مع المستثمرين. أي مستثمر يقترب من ٥٠٪ من أسهم الشركة لا أتعب نفسي في مواصلة النقاش معه.. يجب أن تبقى النسبة الكبرى في الجولة الاستثمارية الأولى لرواد الأعمال، وذلك لأن وجود نسبة عالية لدى الفريق التاسيسي ستشجعهم على بذل المستحيل لإنجاح المشروع أما عندما تصبح الأغلبية ملك للمستثمرين مباشرة فرائد الأعمال يتحول إلى موظف. أيضاً، رائد الأعمال قد لا يريد تسليم زمام إدارة الشركة والتحكم بمستقبلها بالكامل للمستثمرين من أول جولة، لهذا يجب أن يحافظ على السيطرة في الجولة الأولى، علماً بأنه تدريجياً سيفقد السيطرة في الجولات التالية وهذا أمر طبيعي ولا بأس به. أخيراً، ركزت على كلمة الجولة الأولى، وذلك لأن الشركات الناشئة عادة تمر بعدة جولات استثمارية، فالجولة الأولى تكون لإثبات الفكرة، والثانية مثلاً لتحقيق الأرباح والنمو وهكذا.. ومع كل جولة قد يدخل مستثمر جديد أو يقوم نفس المستثمرين بإضافة استثمار آخر مقابل أسهم جديدة، وبالتالي تتناقص نسب روائد الاعمال، لهذا يجب أن يحافظ رواد الأعمال على نسب عالية بعد الجولة الأولى لكي لا تتلاشئ نسبهم بعد بضعة استثمارات، علماً بان بعض المستثمرين في الجولات المتقدمة قد يرفضوا الاستثمار إذا لم يجدوا نسبة كافية لدى رواد الأعمال، لأن هذا مؤشر خطر يدل على سوء تدبير المستثمرين في الجولات الأولى، فرائد الأعمال سيصبح مالك لنسبة قليلة لا تشجعه على الاستماته في إنجاح المشروع. قد يمتعض رواد الأعمال من مبدأ تناقص النسبة.. ولكن في الحقيقة هذا شيء طبيعي وإيجابي، فكلما يدخل مستثمر جديد تقل نسبة الرواد ولكن قيمة شركتهم تزيد. فإمتلاك ٢٠٪ من شركة قيمتها ١٠٠٠ دولار أفضل من امتلاك ٥٥٪ من شركة قيمتها ٢٠ دولار.

هناك أمور كثيرة تعلمتها من التعامل من المستثمرين منها ورقة الإتفاق الاستثماري Termsheet وما بها من شروط وقوانين، وهي بصراحة معقدة لمن لا يمتلك خبرة مالية أو إدارية، لهذا أنصح الشباب بالاستعانة بمن لديهم خبرة في مثل هذه التعاملات وليس بأي محاسب تقليدي أو محامي قانوني، فهذه الإتفاقيات مميزة وتعد باب من أبواب العلوم الإدارية الجديدة. أحد الأمور التي أريد لفت إنتباه الشباب إليها هو موضوع تحفيز فريق العمل، فقد يكون هناك مؤسس واحد أو عدة مؤسسين للشركة، وهؤلاء بالتأكيد لهم نسب عالية في الشركة، ولكن قد يكون هناك فريق عمل يقوم بتنفيذ أعمال الشركة، وبحكم أن الشركة ناشئة فبالتأكيد رواتب فريق العمل ستكون أقل من رواتب الشركات الخاصة أو الحكومية، فكيف لرواد الأعمال أن يحتفظوا بفريق عمل متكاتف قادر على الاستمرار إلى نهاية المشوار. الحل بالتأكيد هو إعطاء فريق العمل أسهم مجزية في الشركة بشرط ألا يتم تسليم الأسهم إلا بعد فترة معينة مثلاً ٣ أو ٥ سنوات.. وهذه الفترة عادة يساعد المستثمرين في تحديدها وهي ما تسمى بـ Vesting Period for Stock Options. أنصح جميع رواد الأعمال بإعطاء كل عضو من أعضاء الفريق نسبة تتناسب مع دوره في الشركة، فالكل يجب أن يمتلك جزء من الشركة لكي يسعى الجميع لتحقيق النجاح، وعند بيع الشركة أو اكتتابها في أسواق البورصة، سيحصل الجميع بإذن الله على أرباح طائلة.. فلا ننسى أن أول موظفي شركة فيسبوك يعدوا من مليونيرات العالم اليوم.

في الأخير أحب أن أشير إلى مدى فعالية وجدية الشركة الوطنية للاستثمار N2V، فبالمقارنة مع بقية الشركات العربية، لمسنا فيهم احترافية وجدية وسرعة في التعامل. وهم بالفعل راغبين في الاستثمار في مستقبل الإنترنت العربي، ولكني أود أن أنبه الشباب إلى أن فريق الشركة الوطنية لديهم خبرة كبيرة جداً في السوق، لهذا أنصح بألا تتواصل معهم إلا بعد دراسة فكرتك جيداً ومعرفة سوقك وربما تطوير وإطلاق منتجك، فأنت لا تريد أن تكون أول مقابلة لك معهم ضعيفة، بل تريد أن تذهب لهم بفكرة مدروسة جيداً وإن شاء الله ستتوفق.

هناك المزيد.. ولكن لا يسعنى كتابة كل شيء.. هذه أمور مهمة وددت أن أشارككم إياها، ومع الوقت سأشارككم تجارب أخرى ودروس نتعلمها معاً..

13 تعليقا على “عن الاستثمار في الشركات الناشئة”

  1. السلام عليكم ..

    أهنئك على الطرح وسرد هذه التدوينة الرائعة .. بالفعل فريق العمل جزء مهم وفعال في مستقبل الإستثمارات التي سوف تتلقاها الشركة الناشئة, كما أيضاً خطوات تقسيم أسهم الشركة على مؤسسي وموظفي الشركة .. تدوينة رائعة اخي عماد .. بارك الله فيك وموفق ..

  2. مشكور أخي عماد على هذا المقاله المفيدة جداً وأن شاء الله نتمنى المزيد من التوفيق لكم.

  3. ماشاء الله عليك معلومات قيمة
    أتمنى لكم التوفيق وأنا انتظر جديدكم على عقار ماب
    فبعد هذا الإستثمار إن شاء الله أتوقع تطور خدمتكم بشكل أكبر.

  4. عزيزي
    شكرا للمعلومات، هل يمكن ان تفيدني ببعض التفاصيل عن كيفية دخول الشركة كمستثمر والشروط والقوانيين التي يطلبها، وما هي الشروط والقوانيين التي يجب ان اطالب بها. علما بان هناك مستثمر مهتم باستثمار مشروعي واريد ان اعرف هذه التفاصيل قبل الجلوس على الطاولة معه

  5. فرحت كثيرا لك وانا لا اعرفك شخصيا. ولكن خلال متابعتي لتطور تجربتك خلال الاشهر الفائته تولد لي شعور بالالفة لمشروعك وارتباطا لا ادري كنهه .. ربما لانني تابعت طفولة المشروع ونموه في لحظات الهبوط الصعبة ولكن كل ذلك كان يشير لأن بابا سيفتح قريبا. والحمدلله على فضله وكرمه.

    اهيب بك ان تستمر في وضع خلاصة تجاربك كلما سنح الوقت فهي تهم الكثير من الشباب الطامحين.

    تحياتي لك ودعواتي بالتوفيق والسداد لكل مشاريعك

  6. شكراً لكم جميعاً، وسأحاول الكتابة قدر المستطاع.
    أخي سليم.. أريدك أن تبحث عن الموضوع قليلاً وتقرأ عنه.. خصوصاً باللغة الإنجليزية لأن معظم المحتوى عن تمويل المشاريع الناشئة بالإنجليزي.. ومن ثم بعد قراتك وبحثك إذا بقت لديك أسئلة معينة ارسلها لي وسأحاول مساعدتك

    تحياتي

  7. مسألة تمويل المشاريع مسألة خطيرة بقدر ما هي جيدة ومفيدة…هذه الجملة سمعتها من أحدهم…
    فهل امتلاك المستثمرين أسهما يفوق أسهمك يعني أنهم امتلكوا الشركة؟ وأنك صرت موظفا لديهم؟…
    لدي سؤال أيضا بخصوص نقطة تمليك الأسهم للموظفين…
    هل يمكن اشتراط سحب السهم إن شعرت أن الموظف غير جاد في الشركة؟…أو هل يمكن سحب السهم بشكل عام؟

  8. أخي حسام.. بالنسبة للاستثمار في الشركات الناشئة فالموضوع يعتمد على نوع الشركة وطموحها وطورها..
    أما بالنسبة لأسهم الموظفين.. فعادة يتم تحديد عدد معين من الأسهم لكل موظف، ولكن لا يتم تسليم الأسهم دفعة واحدة بل تدريجياً مثلاً كل شهر جزء أو كل سنة جزء.. بهذه الطريقة يجد حافز للاستمرار معك بالإضافة إلى راتبه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *