تجربتي مع N2V

كما تعلمون قبل ٤ أشهر تقريباً أعلنت عن دخول ٣ مستثمرين في شركة عقار ماب، وهم شركة N2V، وفادي غندور، وجمال المترب. والحقيقة أن المستثمر الرئيسي هم شركة N2V، وقد كنت أنوي الكتابة عن تجربتي معهم بالتفصيل مباشرة بعد الاستثمار، ولكني رأيت أن التريث هو الأفضل، وقررت ان انتظر فترة إلى أن أكون صورة متكاملة عن كيفية تعامل هذه الشركة الاستثمارية مع رواد الأعمال والمشاريع التي تدعمها.

أقولها بثقة تامة بأني لا أشك إطلاقاً في أن شركة N2V ستحقق أكبر نجاح في الإنترنت العربي بسبب استراتيجيتها وكيفية إدارتها والرؤية التي تسعى لتحقيقها. صحيح أني لم أتعامل مع بقية الشركات الاستثمارية العربية، ولكني تحدثت مع الكثير منهم، ورأيت أسلوب تعاملهم، ولمست فرق شاسع بينهم وبين N2V. فبينما كانت معظم الشركات تشكك في جدوى مشروع عقار ماب، كانت N2V تركز على فريق العمل، وبينما كان الجميع يركز على الجانب السلبي في السوق، كانت N2V تركز على الجانب الإيجابي والفرص الكثيرة المتوفرة.

لا أخفي عليكم بأني واجهت بعض التحديات مع N2V في البداية، فشركتهم مرت بمرحلة نمو سريعة وتضاعف عدد موظفيها واستثماراتها عدة أضعاف في خلال أيام، وكان هذا النمو مدروساً من قبلهم، ولكنه كالعادة يولد عدم استقرار وبطء في اتخاذ القرار لعدم وضوح المسؤوليات وتضارب الأولويات. وتزامن هذه المرحلة التي مرت بها شركة N2V مع مرحلة إنتقال فريق عقار ماب إلى الاسكندرية والتحديات التي واجهناها وضعت علي ضغط كبير مما دفعني في أحد الأيام إلى إرسال رسالة نارية إلى N2V. وهنا بالضبط اكتشفت أني أتعامل مع ناس يمكنني الاعتماد عليهم والتعلم منهم، فقد استقصدت استفزازهم من خلال رسالتي لكي أشد انتباههم إلى الوضع الذي نمر به، وكنت بصراحة أتوقع رد ناري من نفس العيار، ولكن تصرف الأستاذ رشيد البلاع، الرئيس التنفيذي لشركة N2V، كان غاية في الروعة. فبدلاً من أن يرد علي بالبريد الإلكتروني، طلب مني أن نجتمع في القاهرة، وعندما ألتقيت به، وضح لي وجهه نظره واكتشفت بأني كنت مخطأ ولكن الأهم من ذلك كله أن قدر شركة N2V زاد عندي كثيراً واحسست بأني بالفعل ساستفيد منهم وبأنهم هنا بالفعل لدعمي ومساعدتي. كانت هذه نقطة تحول.

مع استقرار الشركة وتوقفهم عن التوظيف السريع والاستثمار السريع، وتركيزهم على زيادة الدعم للشركات التي استثمروا فيها بدأت ألمس نتائج رائعة. فريق الاستثمار لديهم ممثلاً بأحمد طقاطقة ورمزي الفواخيري يجري معانا اجتماعات شهرية يقدموا فيها لنا شتى أنواع الدعم والأفكار والمساعدة، جلسات النقاش الطويلة والممتعة مع ناجي سلوم مدير تسويق الشركة أفادتني شخصياً، برنامج التوجيه Mentorship Program الذي يقوده محمد خواجه مكن فريق عقار ماب من الوصول إلى شخصيات من الوزن الثقيل في السوق العربي والعالمي وتلقي التوجيه منهم، وهذا كله بالإضافة إلى أننا دائماً وفي أي وقت نستطيع أن نستعين بمجموعة من أفضل الكفاءات العربية المتواجدة لديهم لمساعدتنا في أعمال مختلفة مثل: التصميم، التطوير، التسويق، محركات البحث، المحاسبة، الإدارة، إلخ.. وهذه الأمور ليست شكلية كما كنت أتوقع بصراحة، لا بالفعل.. كلما أحتاج شيء أطلبه ويتم ترتيب اجتماع لي أو لأحد فريقي مع أحد الخبراء في هذا المجال ونحصل على استشارة دقيقة ومفصلة توفر علينا وقت وجهد ومال. لا أنسى أيضاً قائمة N2V Geeks التي عادة ما تصلني عن طريقها نصائح وتجارب حصرية فيها تفاصيل قد لا يصرح بها أحد خارج هذه القائمة، وأيضاً استفدت كثيراً من مكاتب الشركة الموجودة في الرياض وعمان والقاهرة ودبي، ومكتب القاهرة خصوصاً ووجود الفلل المجاورة له والتابعة للشركة وفرت علي الكثير لكثرة تنقلي بين القاهرة والاسكندرية. والأهم من هذا كله، أن الشركة بالفعل لا تتدخل في إدارة شركتنا، كل ما نجده منهم هو نصائح واقتراحات والقرار في الأخير هو لفريق العمل.

بصراحة لا أدري أين أقف في مدح شركة N2V، وقد تريثت كثيراً لأني أعلم بأن هذا الكلام سيحسب علي يوماً ما، ولأني أعلم أيضاً بأن بعض رواد الأعمال سيتخذوا قرارهم بناءاً على نصيحتي، لهذا وددت التأكد من كل شيء قبل أن أستعجل وأكتب عنهم، لكني اليوم واثق من كل ما أقوله. N2V جادة جداً في تحقيق قصص نجاح في الإنترنت العربي، وهدفهم ليس هدف مادي قصير النظر. قلما تجد شركة عربية تفكر في التعاون مع المنافسين وفي نشر المعرفة وفي المساهمة في تطوير صناعة الويب في الوطن العربي. لا أستطيع أن أذكر لكم كل شيء في هذه التدوينة، لكني بالفعل فخور بأني أشارك في هذه المبادرة.. مبادرة N2V للنهضة بصناعة الويب العربي.

أخيراً، لا استطيع أن أنكر بأن الاجتماع الأخير الذي عقدته شركة N2V في منطقة الليث بجوار مدينة جدة في السعودية كان له أثر كبير علي شخصياً، فقد أكسبني فهم أعمق للشركة وأيضاً لسوق الإنترنت العربي. فلمدة ٣ أيام، اجتمع مدراء الشركات التي استثمرت فيها N2V في منطقة الليث بالإضافة إلى عدد من الخبراء المتخصصين، وتم مناقشة مواضيع مهمة بشفافية لم أرى مثلها قط. الكل أجاب على جميع الأسئلة بدقة وبدون التهرب المعهود الذي نراه في كثير من المؤتمرات، الأرقام ذكرناها بالتفصيل، والكل أستطاع أن يفهم عيوب ومزايا شركته. وجدت نفسي تلقائياً أكشف أرقام شركتي أمام زملائي بالتفصيل وأخبرهم بأخطائي الفادحة وبنجاحاتي المثمرة. لا أدري هل سبب هذه الشفافية والصراحة هو أننا جميعاً بشكل أو بآخر نعد جزء من مبادرة N2V، أم أن السبب هو كثرة الروبيان (الجمبري) الذي أكلناه هناك 🙂 فالاجتماع تم في أكبر مزرعة روبيان في الشرق الأوسط وهي تابعة لعائلة البلاع، وبصراحة كان اختيار المكان موفق، فهو بعيد عن الجميع، وبالرغم من ساعات العمل والنقاش الطويلة، كنا نواصل السهر في الليل نتجاذب أطراف الحديث، وبعد ذلك نلعب كرة طائرة وكرة قدم، إلى أن يرمي بنا التعب على السرير، لنصحو بعد ساعات قليلة بحماس متجدد ونبدأ يومنا بغطسة في مياه البحر الأحمر نستكشف فيها الأحياء البحرية ومن ثم نواصل الحوار من جديد.

خرجت من هذا الاجتماع منبهراً بالكم الهائل من المعلومات التي اكتسبتها وأيضاً بتصور أفضل عن مكانة ومستقبل شركة عقار ماب. وصادف أن موعد رحلتي توافق مع موعد رحلة رشيد البلاع والأخ مرشد صاحب موقع يباب، فتحركنا في الصباح الباكر إلى جدة وقضينا ساعتين تقريباً في السيارة، قص خلالها رشيد تاريخ N2V كيف ومتى بدأت وكيف وصلنا إلى ما نحن عليه اليوم. هذه هي المعلومة التي كانت تنقصني بالفعل، فعند أول لقاء لي برشيد استغربت جداً من سرعة فهمه لمشروعي وقدرته على تحليل الفرصة، أعتقد بأني قابلت فقط ٣ من بين ٣٠ مستثمر تقريباً لديهم نفس المهارات والخبرة. بصراحة، وحسب ما شرح لي البعض عندما كنت أمدحه، اقتنعت بأن السبب هو كثرة ترحاله وسفره ومشاركته في المؤتمرات، ولكني عندما سمعت القصة كاملة من منتصف التسعينات إلى اليوم ومروراً بالتجارب في شركات تزويد الإنترنت، وبيع الأجهزة، والمواقع في التسعينات، وما بعد فقاعة الإنترنت، وأنظمة الأسهم الإلكترونية، والدعاية الإلكترونية، و..و..و.. عندها أدركت لماذا يتخذ شخص قراراته بمثل هذه السرعة؟ لماذا تنمو الشركة بمثل هذه السرعة؟ لماذا الاستثمار في الكفاءات وليس في الأفكار؟ عندها أدركت بأني جزء من عائلة، وبأني جزء من شيء مهم وكبير، أكبر من عقار ماب، أكبر من ربح المال، وأكبر من تحقيق نجاح شخصي. أدركت بأننا نصنع المستقبل !