قصة تمويل عقارماب.كوم – ج٢ (Angelizing)

ملاحظة: هذه التدوينة هي الجزء الثاني من قصة تمويل عقارماب. أنصح قراءة الجزء الأول لفهم خلفية القصة.

أولاً، اعتذر على التأخير في سرد بقية قصة تمويل عقارماب.كوم فقد كنت أمر بظروف أجبرتني على الابتعاد عن المدونة. ثانياً، أحب أن أذكركم بآخر مقطع وصلنا له 🙂 كنت قد أخبرتكم بأني وصلت ليأس تام من التعامل مع شركات الاستثمار العربية، وأيضاً لم أجد طريقة لإقناع الشركات الأجنبية في الاستثمار في شركتي، ولم يعد لدي أي حلول لتمويل المشروع بالطرق التقليدية.

قد يكون الشيء الوحيد الذي أنقذ الشركة من الإفلاس هو أننا نجحنا في بناء شيء يقدم الفائدة للسوق. فإسم الشركة، وجودة الخدمة، وقوة علاقتنا بالسوق كانت كلها أسباب مكنتنا من تحقيق إيرادات تغطي تكاليف إدارة الشركة في ظل الظروف الصعبة التي كنا نعيشها. لكني لم أؤسس عقارماب لأحصل منها فقط على دخل شهري أعيش به، هدفي هو إنشاء قصة نجاح عربية تلهم الشباب العربي لخوض نفس التجربة، وهذا يعني أن علينا التوسع والإنتشار والنمو بشكل سريع، وكل هذه الأمور تتطلب ضخ رأس مال. كان علي أن أخرج من القوقعة التي وضعت نفسي فيها وأن أفكر بطريقة جديدة لتمويل المشروع.

المعروف بأن الشركات الناشئة تمر بعدة جولات تمويل، الجولة الأولى نسميها Seed Round وعادة تكون تمويل شخصي أو من أصدقاء وأقارب، أو من مستثمرين مثاليين (Angel Investors) يرغبون في تشجيع المشروع أو من شركات متخصصة في تمويل الشركات في طورها الأولي (Accelerator/Incubator). وكنت قد وضحت بأننا اجتزنا هذه المرحلة بنجاح، والمشكلة التي واجهناها هي في الجولة الثانية والتي تسمى Series A Round وهذه عادة تتطلب رأس مال أكبر، لهذا كل الجهات السابقة لا تستطيع تمويلها، ولكن يتم تمويلها من قبل شركات استثمار متخصصة (Venture Capital)، وهذه هي الشركات التي لم استطع أن أحصل على أي تمويل منها. ولكن هل يجب علينا إتباع هذه الخطوات بنفس الترتيب الذي يحصل في وادي السيلكون في أمريكا؟ هل علينا أن نبحث عن التمويل من نفس المصادر التي تأخذ منها التمويل الشركات الناشئة في الدول المتطورة؟ ماذا لو لم نتمكن من توفير التمويل من نفس المصدر وبنفس الشكل؟ نستسلم؟ نلعن الظلام؟ أليس من الأولى أن نبتكر ونكسر هذه القوانين ونضع قوانين جديدة تتناسب مع وضعنا. هذا بالفعل ما فعلناه في عقارماب.

Angelizing
كان ضمن المستثمرين في الجولة الأولى من تمويل عقارماب، رجل الأعمال اليمني الأستاذ/ جمال المترب، وهذا الرجل الفاضل كان أكثر من تفاعل معنا من أول لقاء، وقرر الاستثمار معنا، ولكن المشكلة التي واجهتنا معه وتحديداً مع مستشاره المالي هو أن عالم الاستثمار الجريء وتمويل الشركات الناشئة كان جديد وغريب عليهم. فكرة تقييم الشركة، وتوزيع الأسهم، وكل المفاهيم الجديدة في تمويل الشركات الناشئة لا يتماشئ مع المفاهيم المالية التقليدية التي يتم التعامل بها في الشركات الكبيرة. الأستاذ جمال في ذلك الوقت كان رجل أعمال (Businessman)، لم يكن مستثمر مثالي أو ملائكي كما يسميه البعض (Angel Investor) مثل الأستاذ/ فادي غندور الذي استثمر معي في الجولة الأولى أيضاً. فالأستاذ فادي كان ملم بعالم ريادة الأعمال، وكان التفاوض معه بسيط وواضح حيث أنه قد سبق أن مول الكثير من المشاريع المماثلة من قبل. لهذا، استغرق مني بعض الجهد توصيل الفكرة للاستاذ جمال ولمستشاره المالي، وفي الحقيقة أعتقد أن الأستاذ جمال كان متحمس جداً لدعم المشروع، لهذا تجاوز عن بعض الأمور حتى لو لم يكن مقتنع بها تماماً، واستثمر معنا، وهكذا تحول من رجل أعمال إلى مستثمر مثالي، وبالفعل قام الأستاذ جمال مؤخراً بتمويل شركة ناشئة أخرى، وأعتقد أنه مستعد لتمويل المزيد. 

عندما وجدت أن كل المستثمرين المعروفين في السوق العربي لم يهتموا بتمويل مشروعي، قررت أن أكرر نفس التجربة التي قمت بها مع الأستاذ جمال، ولكن هذه المرة كنت أحتاج لرأس مال أكبر، لهذا كان علي أن أقنع أكثر من رجل أعمال في نفس الوقت. لهذا توجهت إلى اليمن، وبدأت التواصل مع أكبر وأنجح رجال الأعمال اليمنيين، وقد ساعدني حقيقة الأستاذ جمال في التعرف بالكثير منهم، ومن ثم تكلل هذا الجهد بترتيب لقاء في نادي رجال الأعمال اليمنيين في صنعاء.

عماد المسعودي - نادي رجال الأعمال اليمنيين
كان هذا اللقاء بمثابة فرصة مميزة، اخترت فيها عنوان اللقاء بعناية لكي أجذب أكبر قدر من رجال الأعمال الذين قد يكون لهم اهتمام في مجال الإنترنت، وعندما وصلت للقاعة تفاجئت بعدد كبير من الحضور، ومع بدأ الكلام امتلئت القاعة وكان هناك اهتمام حقيقي من قبل تجار اليمن. لم اتحدث عن عقارماب بشكل مباشر، بل ركزت على فكرة تمويل الشركات الناشئة -Investing in Startups- وأيضاً حدثتهم عن الفرص المتاحة في قطاع الإنترنت والموبايل، وأخبرتهم عن الشركات الأجنبية التي بدأت تكتسح الأسواق العربية، أخبرتهم عن Naspers و Rocket Internet وTiger Global و Hummingbird Ventures، وركزت على عدم انتباه معظم المستثمرين ورجال الأعمال العرب لكل هذه الفرص، وأن الفرصة سانحة أمام تجار اليمن لاكتساح الأسواق العربية في ظل نوم البقية. ذكرتهم بسوق شركات الاتصالات وسوق قنوات التلفزيون وأسواق أخرى فتحت مؤخراً في الوطن العربي، والذي نال نصيب الأسد منها هو الذي تحرك مبكراً. اشتدت همة الجميع وبدأت الأسئلة تنهمر وكان هناك اهتمام جاد جداً. أذكر أن مستوى الحماس وصل إلى أنهم طلبوا مني تأسيس صندوق للاستثمار الجريء (Venture Capital)، ولكني أكدت بأن التوقيت مبكر، وبأنه علينا أولاً أن نشجع الشباب اليمني على بدأ في تحويل أفكارهم إلى شركات، وأن نشجع رجال الأعمال أيضاً على الخوض في تجاربة استثمار مصغرة لكي يتم صقل خبراتهم، فالاستثمار في مثل هذا المجال ليس كالاستثمار في المشاريع التقليدية.

لا شك أني تحدثت عن تجربة عقارماب ضمن سياق الكلام، ولكني كنت مهتم بشكل أكبر ان أقنع الحضور بفكرة الاستثمار في الإنترنت، فالفرصة كانت أكبر من أن تختزل في هدف الحصول على التمويل لشركتي، وبالفعل تحققت النتائج المرجوة بتوفيق من الله سبحانه وتعالى. بعد الانتهاء من اللقاء، تعرفت على الكثير من رجال الأعمال بشكل شخصي وتبادلنا كروت الأعمال، ووعدني الكثير بالتواصل معي لعدة أسباب مختلفة، وبالفعل فعلوا. كنت قد تحدثت عن مؤتمر Arabnet ضمن سياق اللقاء، وتفاجئت بعد أشهر بأحد الحاضرين يتواصل معي ويقول لي أنا في بيروت لحضور Arabnet أين أنت؟ 🙂 لله دركم يا مغاوير اليمن، كنت سعيد جداً عندما سمعت الخبر، لأني تأكدت أن الموضوع دخل طور الفعل والعمل مباشرة. أحد الحضور تواصل معي بشكل مستمر وباهتمام تام بالاستثمار في قطاع معين لديه خبرة كبيرة، وتوفقت في تعريفة بأحد الشباب الذين لديهم شركة ناشئة في نفس المجال، وتم استثمار مبلغ جيد جداً. أحد الحضور أيضاً، قام بتمويل فعالية Startup Weekend Sana’a لتشجيع الشباب اليمني على تأسيس شركات ناشئة، وهو لا يزال يتواصل معي بخصوص إقامة مسابقات ريادية في اليمن وبرامج أخرى. المهم، بدأت حركة الـ Angelizing في اليمن، وبدأنا تحويل رجال الأعمال التقليديين إلى Angel Investors.

بخصوص عقارماب، الحمدلله، طلب مني العديد من رجال الأعمال الدخول في المشروع، وفي الحقيقة زاد عدد المستثمرين عن العدد الذي كنت أرغب به، فاعتذرت للبعض واكتفيت بعدد محدود لكي لا تتعقد ملكية الشركة. ولكني لا أنكر بأني واجهت تحديات في إقناع المستثمرين الجدد ببعض المفاهيم مثل تقييم الشركة، وتوزيع الأسهم، ومفاهيم أخرى جديدة عليهم، لهذا استعنت بمقالات إنجليزية وروابط ومقاطع فيديو ارسلتها إليهم، حتى تمت عملية الـ Angelizing بنجاح. وتم الاستثمار في شركة عقارماب، ليس من نفس المستثمرين الذين يعرفهم الجميع، وإنما من مستثمرين جدد، لديهم قدرات مالية وإدارية واجتماعية قد تتجاوز علاقات من أتعبونا بالمطالبة بالمزيد من الـ Traction. توفقت بمستثمرين يفهمون أسس التجارة والنجاح، أحدهم لديه مشاريع عقارية عملاقة في مصر ويفهم مدى الطلب على خدماتنا في السوق المصري، ومستثمر آخر لديه شركات متخصصة في قطاع تكنولوجيا المعلومات ويفهم حجم الفرصة التي حدثتهم عنها. بتوفيق من الله كسرت مشكلة عصيبة كانت ستتسبب في فشل المشروع على الرغم من نجاحه، وكسرت قوانين احتكار التمويل الموجودة في السوق العربي، وأتمنى أن يتبع المزيد من الشباب نفس التجربة لكي يزيد عدد المستثمرين وتشتد المنافسة بينهم على تمويل مشاريعنا مثلما تشتد المنافسة بيننا للحصول على تمويل منهم.

والأجمل من هذا كله، أن كل المستثمرين الذين استثمروا في الجولة الثانية من تمويل عقارماب قبل بضعة أشهر فقط، قد قاموا بالاستثمار في شركات ناشئة أخرى، وهم يبحثون عن المزيد. وهذا ما أسميه.. Angelizing

14 تعليقا على “قصة تمويل عقارماب.كوم – ج٢ (Angelizing)”

  1. رائع بحق …بقدر ما استمتعت بقدر ما حزنت علينا احنا الشبب الي ما عندنا هذه الجرئة لتجربة الجديد و تحقيق الاهداف …دعواتنا لك بالنجاح التاااان يا رب

  2. رائع جدا مستر عماد هذه هي روح الريادة التي يجب أن تنتشر في وطننا العربي .. شكرا على مشاركتنا هذه التجربة الرائعة ونتمني لك مزيد من التقدم إن شاء الله ؛ أسأل الله عزوجل أن يحفظك.

  3. ماشاء الله تبارك الله ..
    أحيييك أخي أ . عماد ، وأتمنى لك التوفيق بصدق .

    رغم أني قرأت الجزء الأول من القصة واقترحت عليك حينها على البريد وسائل تمويل أخرى .. ومع اعتزازي الكامل بأن تمويلك جاء من اليمين ، لكني مذ ذلك الحين إلى هذه اللحظة لازلت أجهل لماذا لم تتوجه إلى تجار الإمارات وقطر ( ما أبغى أقول السعودية ، لأني في السعودية وواجهت مصاعب كثيرة مع الممولين ) خاصة أن هناك شركات هي قائمة على المساريع الألكترونية ، أو أن هناك محاولات كانت معهم ولم نعلم تفاصيلها ..

    لو كنت مكانك لكتبت المزيد عن تجارب البحث عن التمويل في موقع مستقل أسميه ( قنوات التمويل 🙂 ) وبحكم تجربتك أعتقد أنك ستكون مستشاراً في الموقع وبجدارة .

    أتمنى لك التوفيق أيها الرائع

  4. استفدت كثيرة من قصة التمويل ، لكن هل من الممكن ان تذكر لنا ما هى الاسس التى يكون عليها تقييم الشركة ونظام الاسهم فى الشركة وعلى اى اساس يتم تقديره

  5. أخي العزيز عماد المسعودي/

    أولا شكرا جزيلا على إشراك قراء مدونتك بهذه الأفكار و عصارة تجاربك الشخصية المتميزة، واستقطاع جزء من وقتك الثمين لمشاركتنا بهذه التجارب، ونتمنى أن نراك عما قريب نموذج يحتذى به في عالم ريادة الأعمال في الوطن العربي، وبالفعل أنت الآن نموذج ساطع في عالم ريادة الأعمال في العالم العربي، فقد أصبح يقترن اسم ريادة الأعمال باسم عماد المسعودي تلقائيا، نتمنى لك دوام النجاح…….

    أخي العزيز/ كنت أود منك مشاركتنا بأسماء مواقع باللغة الإنجليزية والتي تعتمد أنت عليها كمراجع في الإدارة المالية لشركتك وكذلك فيما يختص بتقييم الشركة، وتوزيع الأسهم، آلية الاستحواذ والدمج، وغيرها من المفاهيم المتعلقة بإدارة الشركات الناشئة….

    ولك جزيل الشكر

  6. بصراحة انا متفاجئ من مصادر التمويل ؟! من تجار يمنيين ؟! لدينا نحن مجموعة من الشباب اليمنيين مشاريع مماثلة لم نجد مجرد الاستجابة لمقابلتنا من تجار اليمن ، ورفض الفكر المطروحة قبل نقاشها ، ولا مش طالع معاهم ابن البلد؟؟؟؟
    لو ممكن تدلنا على هؤلاء الممولين اليمنيين نكون شاكرين لك ذلك
    تحياتي الحارة
    ومزيد من التقدم انشاء اللة

  7. لو سمحت يا مستر عماد اريد ان أتواصل معك بشأن هذا التمويل ف انا لدي شركة ناشئة و ابحث من فتره عن مستثمرين ارجو التواصل مع حضرتك

  8. حقيقة كانت السطور التي كتبتها ملهمة ومحفزة ومثمرة ،، تدوين وكتابة تجربة كل شخص مننا ونشرها لكي يستفيد منها الآخرين هي ثقافة وسلوك فعال من اجل تعميم الفائدة ومشاركة الخبرات ، وهنا تستحق مننا كل تقدير واحترام
    سأحرص مثلك على تدوين وتوثيق تجربتي وخبرتي في ريادة الاعمال وساضعها في مدونة وفِي كل وسيلة متاحة يمكن ان تصل وتنفع وتفيد رواد اعمال غيري .
    مع كل الود

  9. تحياتي يا ريادي

    قرأت القصة واثناء قرأتي شعرت بكل مشاعر الحزن والالم والاحباط واليأس التي كنت تمر بها لأنني ما زلت اعاني واتجرع المرار في سبيل نجاح ليس مشروع وانما عدة مشاريع اطمح في تحويلها الى شركات. وكان لتجربتك اثر كبير في رفع الهمم وايضا التقاطع فيما يتعلق بنقاط الاستثمار العربي والشركات العربية وحاضنات الاعمال التي في كثير من الاحيان تكون سبب لقتل المشاريع وتخالف السبب التي وجدت من اجله.

    ارجوا ان نبقى على تواصل وان نتعاون على كافة الاصعدة

    تحياتي

    محمد دغامين
    فلسطين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *