البحث عن السعادة في العمل

قبل بضعة أشهر، قدم صديقي وأخي أحمد زكريا مسؤول الحسابات في عقارماب استقالته لكي يتفرغ لمشروعه الخاص “مجموعة أصول” المتخصصة في تأسيس الشركات والمحاسبة والضرائب، وقد كان زكريا من أفضل أعضاء فريق عقارماب وساهم بشكل كبير في إحداث نقلة نوعية في وضع الشركة الحسابي والقانوني. وعلى الرغم من أنني حاولت كثيراً أن أبقي زكريا معنا في الشركة إلا أنه كان قد عزم على الاستجابة لنداء الشغف وقرر هو وشريكة البدأ في مشروعهما الخاص الذي أتمنى لهما النجاح فيه بإذن الله. بصراحة، ليس لدي أدنى شك أن زكريا سيتوفق في مشروعه، فهو شخص أمين وصريح ولديه خبره مميزة حيث أنه خلال سنوات خبرته الطويلة عمل مع كافة أطياف الشركات، إبتدأءاً بشركة ناشئة مثل عقارماب وإنتهاءاً بشركات عالمية مثل مرسيدس وغيرها.

قرر زكريا استضافة فريق عقارماب في مكتبه الجديد الكائن في مدينة نصر وقدم لنا وجبة عشاء بحرية لذيذة وبالغ في الكرم والضيافة والترحيب بنا جميعاً. بعد العشاء قام زكريا بشكرنا على زيارته وقبول دعوته وطلب مني بعد ذلك أن ألقي كلمة. بصراحة، لم أجد موضوع أتحدث عنه في هذه المناسبة أفضل من موضوع السعادة في العمل والبحث عن الشغف، فعلامات السعادة والاستمتاع في عيون زكريا وهو يؤسس مشروعه كانت واضحة ومختلفة تماماً عن وضعه وهو يعمل في عقارماب. وقد يستغرب البعض عن اختياري لمثل هذا الموضوع خصوصاً أن معظم الموجودين في هذه المناسبة هم أعضاء فريق عمل شركتي، فكيف لي أن أشجعهم على شيء قد يسبب خروجهم من شركتي؟

تحدثت عن أهمية البحث عن الشغف والبحث عن العمل الذي يجد فيه الشخص المتعة الحقيقية حتى لو كان هذا العمل بعيداً عن مجال دراسته أو تخصصه، ونصحت الجميع بالبحث عن الشغف بعناية لأن هذا الأمر بالفعل يستحق العناء والاجتهاد، فعندما تجد ما تحبه يصبح العمل جزء ممتع من حياتي وليس عبء تقوم به لغرض الحصول على المادة التي تحتاجها لتغطية تكاليف حياتك. واستخدمت تجربة زكريا كمثال لشخص عمل في شركة أرتاح فيها، لكن طبيعة عمله في الشركة لم تكن من النوع الذي يحبه، فهو يحب أن يعمل في مكتب حسابات يساعد الشركات وليس كمحاسب داخل شركة، وكيف استطاع بشكل تدريجي أن ينتقل من شركة يحبها وعمل لا يحبه إلى شركة يحبها وعمل يحبه. لهذا قررت أن أرسم هذه الرسمة لتوضيح هذا المفهوم في مدونتي لعله يساعد البعض في إتخاذ مثل هذا القرار:

البحث عن السعادة في العمل

القرار السهل:

عندما تعمل في شركة تعاملك بشكل سيء سوءاً من حيث تعامل الإدارة والزملاء، وفي نفس الوقت تجد أن العمل نفسه ممل ومزعج ولا تجد فيه أي متعة فأنصحك بتغيير عملك مباشرة دون التفكير في أي شيء، حتى لو أضطررت الإنتقال إلى شركة أخرى براتب أقل.

وعندما تعمل في شركة تعاملك بشكل ممتاز وتشعر فيها بالراحة النفسية، وفي نفس الوقت تجد المتعة في عملك وتشعر بأنك منهمك بشغف في عملك فأعلم أنك محظوظ جداً وحاول أن لا تترك هذه الشركة في أي حال من الأحوال، حتى لو وجدت عرض عمل آخر براتب أكبر بكثير من راتبك الحالي، فأنصحك بشدة أن تتمسك بعملك الحالي.

طبعاً، البعض قد يركز بشكل كبير على الجانب المادي في الحالتين السابقتين على الجانب المادي أو على المسمى الوظيفي مستشهداً بأهمية المادة والوضع الاجتماعي والاقتصادي، ولكني أجزم وعن واقع خبرة أن وجودك في المكان المناسب وبالعمل المناسب هو الأهم، وأن الجانب المادي يتحسن بناءاً على تحسن أداءك، وأن تحسن أدائك أصلاً مربوط بشكل مباشرة بشعورك بالراحة والارتباط نحو شركتك وعملك معاً.

 

القرار الأصعب: 

صعوبة القرار تكمن في توفر عامل واحد فقط في عملك وغياب العامل الآخر، وهناك عليك ترجيح عدة عوامل ولكن في النهاية عليك أن تطمح للأفضل وأن لا تتنازل عن هدفك الأساسي وهو أن تعمل ما تحبه في الشركة التي تناسبك.

فإذا كنت تعمل في شركة ممتازة ولكن طبيعة العمل غير مناسبة لك، فحاول أولاً أن تنتقل إلى العمل الذي تحبه داخل نفس الشركة ولو اضطررت للنزول في السلم الوظيفي أو في مستوى الدخل، وإن لم تجد فرصة في تغيير العمل داخل الشركة فحافظ على وظيفتك الحالية وفي نفس الوقت ابحث عن شركة أخرى يتوفر فيها العمل الذي يناسبك، وحذاري من الإنتقال من شركتك الحالية لشركة أخرى فيها عمل غير الذي تطمح له لمجرد تحسين وضعك المادي، بل ركز كل جهدك على الإنتقال إلى شركة أخرى فيها العمل الذي تطمح له.

إما إذا كنت تعمل في شركة تعاملك بشكل سيئ ومزعج ولكن العمل نفسه ممتع، فهذا هو أصعب موقف من وجهة نظري، فإذا كان الجانب المادي هنا ممتاز والعمل ممتاز لكن الشركة سيئة سيكون قرارك صعب جداً، وقد تضطر لقبول الأمر الواقع والتعايش معه مع البحث عن شركة أخرى تتوفر فيها جميع العوامل. أما إذا كان الجانب المادي سيء وتعامل الشركة سيئة لكن العمل نفسه ممتع، فربما تكون لديك فرص أكبر للإنتقال إلى شركة أخرى. في هذا الوضع يصعب علي توفير نصيحة واضحة، لكن القرار هنا هو الأصعب فعلاً.

 

البحث عن الشغف: 

قد يتساءل البعض عن ماذا أتحدث. أي شغف هذا؟ وأي عمل يمكن لي أن أحبه؟ يؤسفني ويسرني في نفس الوقت أن أبلغك شيءً. يؤسفني أن أخبرك أنك حتى اليوم لم تستمتع بعملك قط، وهذا ليس خطأك فالحظ فقط لم يحالفك حتى الآن. ويسرني أن أخبرك بأنك لو استمريت في البحث ستجد عمل يثير اهتمامك وحماسك وهذا هو العمل الذي عليك ان تتمسك به.

الكثير يسألني عن الشغف في العمل Passion وكيف يمكن اكتشافه، وعادة أرد بأنه أمر ستواجه في حياتك لا محالة، ولكن انتبه من تجاهله أو المرور من أمامه بدون إنتباه. كيف تعرف أنك وجدت شغفك؟ عندما تجد نفسك تنسى الوقت وأنت تعمل، عندما تنسى وجبة الغداء والعشاء وأنت تعمل، وعندما تجد أن الساعة أصبحت الثانية أو الثالثة صباحاً وأنت تعمل. كل هذا ليس لأن أحداً ما يطلب منك كل هذا العمل، أنت تعمل فقط لأنك وجدت شغفك !

5 تعليقات على “البحث عن السعادة في العمل”

  1. اشكر عماد على المقالة الرائعة
    زي ما هناك شهادة تقدير هناك مقالة تقدير….
    هناك محطات رئيسية في حياه الإنسان العملية والحياتية.
    عماد كان له دور كبير في اكتسابي للخبرة الحياتية واعطائي دفعة قوية لتغيير والتغلب على العقبات
    وتمكنت بفضل الله من ان أكون شريك في مجموعة أصول للاستشارات المالية والضريبية

  2. نعم هو هذا
    اعمل ما تحب ، اعمل ما يجعلك سعيداً
    اليست السعادة هي الهدف ، فإذا كان قد ثبت أن المال لا يجلب السعادة
    اذا لا تبحث عن الراتب الأكبر والمال الأوفر ، ابحث عن العمل الذي يجعلك سعيداً
    ابحث عن العمل الذي يترك أثراً واضحاً في حياة الناس
    فلقد ثبت عملياً أن إسعاد الناس من أكبر طرق السعادة الشخصية

    شكرا لك أخي عماد
    اخوك عمر

  3. لاسعادة من دون صلاة وعبادة, فمن استعان بالله اعانه الله , اجعل الله نصب عينيك ستجد السعادة في كل شيء وفي الازمات ستجده معك

اترك رداً على عمر عبدالله إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *