الحنكة التجارية السورية

كتبت قبل فترة تدوينة عن تأقلم السوريين في مصر، وكيف أتجه الكثير منهم إلى إفتتاح مشاريعهم الخاصة خصوصاً المطاعم. اليوم أحب أن أستكمل بعض ملاحظاتي عن الحنكة التجارية السورية.

قبل عام تقريباً أفتتح أحد الأخوة السوريين محل ملابس في نفس الشارع الذي يقع فيه مكتبنا، وكنت كل ما أمر أمام المحل، يستوقفني شاب سوري صغير السن ويعطيني ورقة سبق أن غمسها في علبة عطر ويخبرني عن آخر العروض المتوفرة لديهم. في البداية لم أفكر في هذه الحركة التسويقية البسيطة، لكن مع تكرار العملية كل يوم، بدأت أستغرب لماذا يعرض علي شراء عطر رغم أن المحل يبيع الملابس؟ ويعجبني أيضاً إصرار التاجر السوري على هذه الحركة التسويقية والتي ربما تكون جزء من العرف التجاري في السوق السوري، إلا أنه تعتبر شيء مميز وغريب في مصر، حيث لا تقوم المحلات المصرية (على الأقل في منطقة مدينة نصر) بسحب العملاء واستدراجهم للدخول للمحل. مضى أكثر من عام، وتغيرت وجوه الشباب الذين يقوموا بتوزيع ورقة العطر ولم يتوقف صاحب المحل عن هذا الأسلوب التسويقي المميز والبسيط. اختار أن يستدرج العميل بالعطر رغم أنه يبيع الملابس لأن العطر يسهل بيعه حتى في حالة عدم وجود الحاجة إليه، فلو أعجبتك رائحة عطر بشكل كبير، ففي الغالب ستشتريه حتى لو لم تكن تخطط لشراءه، أما الملابس فبيعها أصعب، وفي النهاية دخول العميل للمحل مكسب في كل الأحوال. لم أمل يوماً من الابتسامة للشباب المسوقين، وأخذ ورقة العطر بكل احترام، ففهي النهاية لا بأس في مسح الورقة بيدي وتجربة عطور جديدة كل يوم، وللأسف لم أشتري منهم ولم أدخل المحل حتى اليوم، ربما لأني مدرك لما يقومون به 🙂

القصة الثانية وهي الأفضل بصراحة، وهي ما دفعني اليوم لكتابة هذه التدوينة هو لحجة سورية كبيرة في السن كانت تبيع الكعك والمعجنات السورية على الرصيف وبشكل مهذب جداً. وجهها السمح الذي تظهر عليه ملامح الطيبة والعزة في نفس الوقت يجذبك لتفحص منتجاتها، ويمكنك بسهولة تمييزها عن جميع البائعين الأخرين لأنها تلبس ملابس سورية وحجابها مربوط بطريقة مميزة يؤكد لك بدون أي شك أنها سورية، كما أنها تستخدم أحياناً عبارات تسويقية مثل: “جرب الحلويات السورية” إلخ. اشتريت منها مرة أو مرتين وكان طعم الكعك مميز جداً. وبشكل دائم كنت أجدها دائماً في نفس المكان، وتجلس بنفس الطريقة، وتعرض نفس المنتج، ومع الوقت أصبح لديها زبائن دائمين، وحققت نجاح كبير، فالكل يحب الكعك والمعجنات الشامية. هذا الأسبوع تفاجئت بوجود أخت مصرية تجلس مكان الحجة السورية، وتبيع نفس المنتجات، وتوصلت أن الحجة السورية أدركت أنها قد أسست Brand قوي في هذه المنطقة، واصبح منتجها معروف وجودتها معروفة وعملائها معروفين، لهذا قامت بعملية Outsourcing لمهمة البيع للأخت المصرية، وذهبت لتأسيس سوق جديد لها في منطقة أخرى. بصراحة، أعجبت جداً بهذه الطريقة المميزة في توسيع مجال العمل، والإنتقال من طور العمل الفردي إلى تكوين شبكة مبيعات موثوقة ومميزة.

ملاحظتين أحببت أن أعرضها عليكم، وبصراحة ندمان جداً أني لم أزور سوريا قبل دمارها، وأسال الله أن يحفظ الشعب السوري والأرض السورية، وبالتأكيد ستكون لي زيارة للشام قريباً بإذن الله.

6 تعليقات على “الحنكة التجارية السورية”

  1. بعد التحية لك اخ عماد
    لا شك باننا خسرنا الكثير باننا لم نتشرف بزيارتك في سوريا
    نامل من الله الفرج والنصر من اجل انت نحظى بزيارتك فبارك الله بشامنا ويمننا ,

    عودا على بدء
    بائع الملابس فلا شك بانه اما حلبي او شامي فهم تجار سوريا اما الحاجة فهي تلك الام او الجدة التي تابى الا ان تاكل بعرق جبينها ولا شك الاحوال الصعبة تصنع المستحيلات مع الجميع

    تقبل تحياتي
    اول تعليق في المدونات منذ سنوات

  2. شكرا لمشاركتك لنا وانا اقراء الموضوع تندمت اني لم ازور سوريا ايضا ولاكن لها زياره في المستقبل لان المجتمع السورى رائد وسوف يعيد بنا مادمرته الحروب.

    الثقافه التجاريه التراكميه عبر الاف السنوات في الشام قويه وعميقه والاتقان والمثابره هي مميزات رواد الاعمال في بلاد الشام.

    بالنسبه للعطر هي طريقه مميزه جدا لان الروائح الجميله تنشط الذاكره ..

    شكرا مره اخرى.

  3. احببت ما كتبت عماد عن سوريا وملاحظاتك. كلامك صحيح واسلوب الورقة المغمسة بالعطر مستخدم في المحلات التي تكون على طريق عام ويمر الكثير من الناس أمامها.

    هذه الظاهرة عموماً، ظاهرة المسوقين الذين يجلبون الناس ليست منتشرة في محلات بيع الملابس عندنا في سوريا. سابقاً كنت تراهم في الكراجات يجلبون المسافرين. لكن ببعض المحلات مطبقة على نطاق ضيق وخاص أي ليست عرف .. هناك محلات فطائر يفعلونها.. حتى لدينا سوق أثري قديم يدعى سوق “تفضلي يا ست” وكان الباعة يقفون على أبواب محلاتهم ويصيحون للنساء “تفضلي يا ست”

    كما لاحظت أنهم اتجهوا للمطاعم في مصر لأسباب وجيهة. صناعة الطعام السوري محببة، هناك اهتمام في الجودة والنظافة والكرم وهذه نقطة هامة فمن يعمل في الإطعام يجب أن يكون كريماً.

    بإنتظارك في سوريا وحلب تحديداً متى احببت .. بعد الحرب طبعاً

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *