جوهر المنتج – Minimum Viable Product

في عام ٢٠٠٦ تعاقدت مع شاب من البوسنة لبرمجة موقع جديد ومبتكر للسوق اليمني، الفكرة كانت رائعة لكنها معقدة، وقضى الأخ أكثر من سنة يعمل على المشروع، وكان إتفاقي معه على أن الدفع يتم عند تسليم المنتج مكتمل ١٠٠٪. للأسف، بسبب سوء إدارتي للمشروع، وبسبب تغيري المستمر لمواصفات المشروع، وصل الأخ إلى مرحلة اليأس وقرر وقف العمل عندما وصل إلى ٩٠٪ من إنجاز المشروع. حاولت معه، لكنه بالفعل وصل لمرحلة يأس تامة وتجاهل رسائلي، وللأسف لم أدفع له أي شيء وشعرت بنفس اليأس فقررت التخلي عن الفكرة.

هذه القصة تبين سبب من أسباب إصرار المستثمرين وكل من ينصح رواد الأعمال على التركيز على تطوير جوهر المنتج فقط، أو ما يسمى Minimum Viable Product. أي، عندما تبدأ مشروع، ستكون لديك أفكار كثيرة ومواصفات ومميزات تريد أن تضيفها لمنتجك، لكن عليك بالتركيز فقط على جوهر الفكرة وتأجيل كل التفاصيل الإضافية إلى الإصدارات التالية. هذه النظرية تمكنك من إطلاق المنتج بشكل سريع وتجربته والتأكد من وجود سوق له بدلاً من استثمار كل الجهد والوقت والمال على شيء قد لا يقبله السوق أصلاً. هناك أسباب كثيرة تأكد على أهمية هذه النظرية، منها أنها تساعد الفريق على الشعور بالنجاح النسبي بعد إطلاق الإصدار الاول، وتحمسهم على مواصلة العمل. أيضاً، في الغالب تصورك لحاجة السوق فيها أخطاء كثيرة، فلو قمت بتصميم المنتج بالكامل بناءاً على تصوراتك الخاطئة، ستضطر لإعادة تطويره مرة أخرى، لكن التطوير التدريجي يسمح لك بإعادة ترتيب الأولويات وتعديل فكرة المنتج بشكل تدريجي. بصراحة، هناك أسباب كثيرة تؤكد أهمية التركيز على جوهر المنتج في البداية، وهذه النظرية مفيدة جداً في عالم الإنترنت، وقد تكون قابلة للتطبيق في القطاعات الأخرى.

سبب كتابتي لهذه التدوينة هو سماعي لمحاضرة عبر iTunes University لمؤسس شركة IdeaLab تطرق فيها لاهتمامهم الشديد بتطوير المنتج الجوهري أولاً ومن ثم إذا حقق نجاح نسبي يتم مواصلة التطوير وإضافة الأمور الأخرى. ذكر بيل جروس مؤسس الشركة أنه فكر في يوم من الأيام أن يطلق موقع يمكن الأفراد من شراء السيارات عبر الإنترنت، بحيث يتم دفع ١٠٠٠ دولار مقدماً، ومن ثم يتم شحن السيارة إلى عنوان العميل ويتم قبض بقية المبلغ. طبعاً الفكرة خرافية، والكثير من الموظفين لم يوافق عليها، لكنه أصر على أن يتم تجربتها. فقام بيل برصد ميزانية صغيرة لهذا المشروع وحدد ٩٠ يوم لاختباره وقام بتعيين مدير للمشروع وطلب منه بدأ العمل. بعد شهر، عاد المدير وبدأ يخبر بيل أن العملية معقدة وأن شركات بيع السيارات لديها أسئلة كثيرة .. إلخ، فأكد له بيل على أهمية بدأ الفكرة بسرعة وعدم التطرق إلى كافة التفاصيل، فالغرض هو تجربة السوق وليس إنجاز كل شيء خلال ٩٠ يوم. بعد شهرين عاد المدير بنفس الأسئلة والتعليقات السلبية، فأعطاه بيل الحل: قم بتصميم موقع فيه جميع انواع السيارات، وأبدأ بترويجه، ولا تقلق بخصوص وجود السيارات لدينا أو لدى الشركات، فقط نريد أن نتأكد هل سيقوم الناس بقبول الفكرة أم أنها ستفشل؟ لماذا نبذل مجهود كبير في تطوير شبكة المبيعات وآلية العمل قبل أن نتأكد من أن الفكرة أصلاً مقبولة. عند وصول المبيعات للموقع خلال فترة التجربة، يمكننا أن نذهب بشكل شخصي ونشتري السيارة للعميل ونسوقها إلى باب بيته 🙂 الهدف فقط تجربة الفكرة لا غير! قام المدير بتطبيق توجيهات بيل، وبعد بضعة أيام من إطلاق الموقع عاد مستبشراً، بعنا ٤ سيارات.. فصرخ بيل ضاحكاً، أوقف الموقع بسرعة، لا يوجد لدينا مال كافي لشراء ٤ سيارات 🙂

طبعاً، أتمنى تكون الفكرة وصلت.. عادة أكتب تدوينات قصيرة، بس القصة عجبتني، وذكرتني بعدة مشاريع أطلقتها بنفس الطريقة، ولهذا أحببت أن أعرضها عليكم لأني أرى أن هذه النقطة مهمة جداً لرواد الأعمال. أذكر أيضاً أول نسخة من عقار ماب كانت بسيطة جداً لدرجة السذاجة، لكنها كانت جوهر الفكرة. وأبشركم، عقار ماب لا يزال في إطار جوهر الفكرة، الرؤية أكبر بكثير، وتدريجياً سنصل لها بإذن الله.

19 تعليقا على “جوهر المنتج – Minimum Viable Product”

  1. كلام رائع ياعماد

    كتبت مقال بالسابق بخصوص هذه النقطة في عالم التقنية

    مشكله المطورين واصحاب المشاريع هو انه يضخ الكثير من الأفكار في مشروعه وينسى الوظيفه الأساسيه من المشروع فيتحول جهده وتعبه الى فشل بسبب انه اهتم بكل شيء حتى الأشياء التي لا علاقه لها بجوهر المشروع

    إبدأ مشروعك وطوره واهتم بفكرته الاساسيه الافكار الأخرى سيكون من السهل تطبيقها ان نجحت الفكرة الأساسية

  2. مقال قيم جدا .. أنا الآن في طور تأسيس موقع جديد و بفكرة مقعدة قليلا أيضا ..
    ولكن يسر الله لي قبل أن أتواصل مع المبرمج أن أسمع محاضرة أو دورة تدريبية للشيخ محمد المنجد بعنوان كيف تأسس عملا دعويا .. أنصحكم بها .

    فقال كلمة قيدتها و قررت العمل بها .. قال : في البداية يجب أن تفكر كيف تبدأ بالعمل فقط لا كيف تطوره .

    فاستفدت منها كثيرا .. و من تدوينتك المباركة أيضا .. سأكون متابعا دائما لك إن شاء الله 🙂 .

  3. تدوينة اكثر من رائعة…
    هذه المشكلة حصلت لي انا و صديق لي قمنا بأكثر من مشروع لتصميم الموقع المشكلة اننا نصل لمرحلة 70% من برمجة و تصميم الموقع و لكن في النهاية حتى لا نقوم برفعة… لا ادري و لكنني اعتقد انه يتوجب ان يرفع الموقع حتى في الطوور التجريبي حتى يعطي دفعة اكبررر للقائمين عليه، حيث يكفل لهم تطويرة فيما بعد.

  4. هذا هو التوجه الجديد الذي تركز عليه الشركات الناشئة في أمريكا حاليا، وهو عماد ثقافة (أو أسلوب) Lean Startup الذي يعتمد على تخصيص أقل موارد ممكنة وأقل وقت ممكن لإنجاز الجزء الحوهري من المشروع أو المنتج، ثم مواصلة التطوير اليومي للوصول إلى الحالة التي تنال رضى المستخدم، أو التحول إلى فكرة بديلة.

    للأسف هذه الثقافة غائبة عن المبادرين، كما المستخدمين، العرب. وإذا ما طرحت منتجا مكتفيا بالجوهر انفضوا عنك لأنك لا تقدم شيئا، وإذا وجدت أن الإقبال على المشروع غير كاف وانتقلت إلى فكرة أخرى وصموك إلى الأبد بالفشل!

  5. بالفعل معك حق ..
    و الطريف في الأمر أنك إذا انشغلت بالتفاصيل فإنك تنزلق عن الفكرة الأصلية مبدئياً، كما أن المشروع يتعقد و يتشعب إلى أن يدفعك إلى التخلي عليه ..
    شيء جميل لابقاء البال عليه 🙂

  6. اشكرك وبشده على هذه الطريقة البسيطه جدا لتجربتى السوق
    واسوق لك بشرى وهيا بعد ان قرات هذه التدوينة اغدت ترتيب اوراقى من جديد لان هذه الطريقة سوف توفر عليا الكثير من المال والمجهود ايضا

  7. اشكرك بشدة عن هذا الموضوع
    و لقد عجبني بالفعل و معك حق

    وصلت الفكرة كما يجب
    وبارك الله فيك يا عماد المسعودي ..

اترك رداً على محمد الساحلي إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *