ترجمة كتاب Startup Nation – Israel الفصل العاشر

نتابع ترجمة الكتاب، مع الفصل العاشر، وهو من وجهة نظري أهم فصل، ولهذا خصصت له تدوينة كاملة…

الفصل العاشر: برنامج يوزما الحكومي
يبدأ هذا الفصل مع قصة أورنا بيري عندما اسمتعت لرسالة بريد صوتي مسجلة من نائب رئيس شركة سيمنس الأوروبية. هذه الرسالة كانت بداية عهد جديد للشركات التقنية الإسرائيلية، لأن مضمونها هو استحواذ شركة سيمنس على شركة أورنا في عام 1995. قبل هذه الصفقة، كان من المستحيل أن تستثمر أي شركة أوروبية في إسرائيل، ولكن أورنا تعيد الفضل إلى برنامج حكومي اسمه يوزما. ففي السابق، يأست أورنا من إقناع المستثمرين الأمريكيين، ففكرة الاستثمار في إسرائيل كانت مثيرة للضحك بالنسبة لهم، فكلمة إسرائيل من وجهة نظرهم لها دلالات دينية وتذكرهم بحروب وخلافات فقط.

رواد الأعمال الإسرائيليين يجيدون صناعة وتطوير المنتجات والخدمات، ولكن ينقصهم إجادة إدارة الشركات وتسويق منتجاتها وخدماتها. فهم مجبرين على التفكير بطريقة عالمية من أول يوم تتأسس فيها شركاتهم نظراً للمقاطعة العربية، فتجدهم يصنعون منتجات لأسواق في الطرف الآخر من الكرة الأرضية، وهذا الوضع يبرز تحديات مهمة، فكيف يمكنهم فهم هذه الأسواق، وكيف يمكنهم تسويق وتوزيع منتجاتهم لدول بعيدة؟ كان لا بد من التعاون مع شركات من هذه الأسواق لتساعد رواد الأعمال على فهمها. ودور الشركات الاستثمارية الأمريكية Venture Capital مهم لعدة أسباب، فخدماتها  لا تقتصر على تقديم دعم مادي فحسب، بل كانت تقوم بتوجيه رواد الأعمال وتعريفهم بشركات وشخصيات مهمة، ومساعدتهم على تحقيق جميع أهدافهم.

وقبل ظهور الشركات الاستثمارية في إسرائيل كان أمام رواد الأعمال خيارين للحصول على التمويل. الطريقة الأولى، أن يقوموا بالتقديم لمكتب حكومي علمي يقوم بتوفير منح مالية صغيرة عادة ما تساعدهم على بناء النسخة الأولية من المنتج ولكنها لا تسمح لهم بإطلاق الشركة وبدأ عملية البيع. ونظراً لعدم وجود شركات استثمارية، فبعد تطوير النسخة الأولية لا تستطيع هذه الشركات تمويل نموها لكي تبدأ التسويق والمبيعات وبالتالي عادة ما يكون الفشل نهايتها، ولهذا اعتبر الكثير هذه المنح غير فعالة بالشكل المطلوب. الطريقة الثانية، هي عبر برنامج BIRD الذي تم تأسيسه بتعاون بين الحكومتين الأمريكية والإسرائيلية ليكون رأس ماله 110 مليون دولار. وهذا البرنامج كان يقدم دعم على شكل منح ربحية تتفاوت بين 500,000 و 1,000,000 دولار، بحيث يتم تسليمها للشركة المستفيدة على شكل دفعات خلال 3 سنوات، بشرط أن يتم دفع نسبة من الأرباح للبرنامج من الشركات التي ستنجح. وعلى الرغم من أن حجم هذه المنح قد يبدو هائلاً للكثير، إلا أنه لا يزال مبلغ صغير مقارنة مع المبالغ التي تقدمها الشركات الاستثمارية والتي عادة ما تكون بين مليون و10 مليون دولار أو أكثر، ولكن هذه الشركات عادة تستثمر في شركات ناشئة قد حققت جزء من النجاح لتساعدها على توسيع نموها، وهي لا تستثمر في الأفكار.

وقد حقق برنامج BIRD نجاحاً كبيراً، حيث كانت إدارته تقوم بتعريف الشركات الأمريكية التي لا تمتلك ميزانية كبيرة للبحث والتطوير على شركات إسرائيلية متخصصة في هذا المجال، وتقوم بدعم الصفقة أيضاً! وقد استطاع هذا البرنامج أن يستثمر أكثر من 250 مليون دولار في 780 مشروع، مما أنتج ما يقارب ثمانية مليار دولار في المبيعات المباشرة والغير المباشرة. وبالإضافة إلى الأرباح المادية، ساهم هذا البرنامج بتعليم رواد الأعمال الإسرائيلين في كيفية التعامل مع السوق الأمريكي، فحتى عندما يفشل مشروع، تكون هناك دروس كثيرة يمكن الاستفادة منها في المشاريع اللاحقة.

وعلى الرغم من هذا النجاح الملحوظ، إلا أن البرنامج لم يستطيع إستيعاب جميع المتقدمين، وكان على بقية رواد الأعمال أن يقوموا بتمويل مشاريعهم بجهدهم ومالهم الخاص Bootstrapping. ومع قدوم أفواج جديدة من المهاجرين الروس إلى إسرائيل، واجهت الحكومة تحدي جديد وهو خلق نصف مليون وظيفة لاحتواء هؤلاء الوافدين الجدد، ومن ضمن الحلول التي تم تطبيقها هو إنشاء 24 حاضنة أعمال تقنية تقوم بتوفير مكاتب مجانية ودعم وتوجيه يساعد رواد الأعمال على تطوير منتجاتهم وتحويل أفكارهم إلى شركات. ولكن حاضنات الأعمال لم تحقق النجاح المطلوب، فقد استطاع رواد الأعمال تطوير المنتجات، ولكنهم لم يستطيعوا تسويقها وبيعها نظراً لعدم وجود الخبرة العملية في كيفية بناء الشركات وتطويرها. عندها، اقتنع الجميع بأنه لا سبيل لنجاح رواد الأعمال الإسرائيليين بدون وجود شركات رأس مال جري استثمارية Venture Capital Firms، لأن هذا النوع من المستثمرين يحصلون على نسبة من الشركة، وبالتالي تصبح مصلحتهم الرئيسية هو نجاح الشركة، فتجدهم يقوموا بدعم وتوجيه وتطوير الشركة عن طريق علاقاتهم القوية، كما أنهم يقوموا بتدريب وتطوير مهارات رواد الأعمال الإدارية.

عندها، قام مجموعة أشخاص في وزارة المالية الإسرائيلية من رسم برنامج إستثماري إسمه يوزما وهو يعني بالعبرية “مبادرة”.  وفكرة البرنامج أن تقوم الحكومة الإسرائيلية باستثمار 100 مليون دولار لإنشاء 10 صناديق استثمارية تتخصص بتمويل الشركات الناشئة (رأس مال جريء، أو رأس مال مخاطر – Venture Capital)، وكل صندوق يتكون من ثلاثة جهات، مستثمرين مخاطرين إسرائيليين متدربين (الهدف تعليمهم الحرفة)، شركة استثمار مخاطر أجنبية، وشركة استثمارية تقليدية أو بنك إسرائيلي. وعلى جميع هؤلاء المستثمرين توفير 16 مليون دولار كرأس مال للصندوق الاستثماري، وبالمقابل يقوم برنامج يوزما بإضافة 8 مليون دولار للصندوق. وسبب تهافت المستثمرين على هذا البرنامج هو أن برنامج يوزما ينسحب من الصندوق في حالة نجاحة، فبإمكان الشركات الاستثمارية شراء أسهم البرنامج بنفس السعر الأصلي، وبهذه الطريقة تعود جميع الأرباح للمستثمرين فقط، وتخرج الحكومة من الصورة (عرض مغري جداً).

قبل برنامج يوزما، لم يكترث أثرياء اليهود المهاجرين بالاستثمار في القطاع التقني الإسرائيلي، ولكنهم كانوا يقوموا بإرسال مبالغ كبيرة للمشاريع الخيرية وللشركات الغير ربحية، أما تمويل الشركات الناشئة لم يشكل أي إغراء مادي لهم. ولكن برنامج يوزما غير الأوضاع وجذب أفضل الشركات الاستثمارية الأجنبية وأفضل المستثمرين اليهود إلى قطاع الاستثمار الجريء والمخاطر في إسرائيل. وكان صندوق Gemini Israel هو أول صندوق استثماري يؤسس عن طريق برنامج يوزما، وكانت أول استثماراته في شركة أورنا بيري، حيث تم استثمار مليون دولار في عام 1993، وعندما لاحظ المستثمرين ضعف الخبرة الإدارية لدى أورنا، تم توظيف شخص صاحب خبرة إدارية ليتولى منصب رئيس الشركة، بينما واصلت أورنا التركيز على الجانب التقني. وكما وضحت في بداية هذا الفصل، تم بيع الشركة في عام 1995، وحقق جميع المستثمرين ربح عالي من هذه الصفقة وصل إلى 3 أضعاف المبلغ الذي استثمروه خلال عامين فقط.

العشرة الصناديق التي أسست عن طريق برنامج يوزما بين عام 1992 و 1997 استطاعت جمع استثمارات بلغت 200 مليون دولار، ولكن جميع المستثمرين قاموا بشراء أسهم البرنامج لكي تتم خصصت الصناديق الاستثمارية، واليوم تدير هذه الصناديق رأس مال بلغ 3 مليار دولار، وتقوم بدعم مئات الشركات الناشئة في إسرائيل. النتيجة كانت واضحة، الاستثمار الجريء هو الفتيل الذي أشعل حريق ريادة الأعمال في إسرائيل. وقد حققت هذه الصناديق الاستثمارية نجاحاً كبيراً وهناك الكثير من قصص النجاح، وبعد أن أثبت رواد الأعمال الإسرائيليين قدراتهم التجارية، أتجهت الكثير من الشركات الاستثمارية الأجنبية إلى إسرائيل بدون أي دعم من الحكومة، وإنما لحوافز تجارية بحتة. كما تم تأسيس شركات استثمارية تهتم بالمشاريع التي لا تزال في طور الفكرة Seed funding وهذا النوع من المستثمرين يسمون عادة Angel Investors، وعادة تكون استثماراتهم بين 50,000 دولار و 500,000 دولار، وهدفهم هو مساعدة رائد الأعمال على تطوير منتج يسمح له بالحصول على دعم مادي من شركات الاستثمار الجريء.

اليوم، هناك 44 شركة استثمار جريء في إسرائيل (أعتقد لدينا 8 شركات في الوطن العربي بأكمله، معظمها عنوان بدون رأس مال)، وبين 1992 و2009 كان هناك أكثر من 240 شركة إستثمارية، إلا أن هذه الشركات عادة ما تنتهي مدتها بعد أن تقوم ببيع جميع شركاتها، والبعض ينشئ صندوق استثماري من جديد. لم تذهب تجربة يوزما بدون ملاحظة من قبل الحكومات النشطة (وليس النائمة)، فقد قامت كل من اليابان، وجنوب كوريا، وكندا، وإيرلاندا، وأسترالي، ونيوزلندا، وسنغفورة، وروسيا بالإتصال مع مؤسسي برنامج يوزما لكي يتم نقل التجربة إلى بلدانهم.

هل سنقاطعهم في هذه، أم سنستفيد من تجربتهم الناجحة؟


11 تعليقا على “ترجمة كتاب Startup Nation – Israel الفصل العاشر”

  1. بارك الله فيك

    أعتقد أن فكرة Seed funding هي الاهم في المرحلة الاولى لمجتمعنا المحلي و ذلك لخروج البوادر الاولى للنجاح و بعدها يمكن تسويق هذا المشروع لشركات رأس المال الجريء و بهذا تصبح حلقة متكاملة تنهي بنجاح باذن الله

    بالتوفيق

  2. اخي عماد المبادر 🙂

    ستحصد ما تتعب علية الان في المستقبل ان شاء الله

    اجبتني هذه الجملة “الاستثمار الجريء هو الفتيل الذي أشعل حريق ريادة الأعمال في إسرائيل”

    وهذا مثال اخر على اهمية دور الحكومات اما بالنسبة لدبي و الدوحة و قطر و الرياض فهي مدن في دول مرت بمراحل مختلفة و يطول النقاش فيها

    تحياتي

  3. إسرائيل بالنسبة للمواطنين العرب بلد مجهول المعالم الداخلية , فقط نتذكر إسرائيل عند الحروب والمجازر , وبما أن إسرائيل ” سرطان يجب اقتلاعه ” , يجب علينا أن ندرس لماذا نجح هذا السرطان في النمو بيننا , ولماذا هو باقي إلى الآن ؟. لماذا لا نتعلم من أخطائنا ؟ وما المانع أن نستفيد من قصص النجاح ؟ حتى لو كانت قصص صهيونية .

    جميل أن أرى هذا الاهتمام بهذا الجانب منك أخ عماد .
    شكراً جزيلاً لما تقوم به .

  4. نعم يا محمد، نحتاج لتمويل الأفكار اولاً، وبعد ذلك نحتاج لتمويل الشركات. حالياً، توجد الكثير من المنظمات والمسابقات والبرامج التي تمول الأفكار في الوطن العربي، لكننا بحاجة للمزيد وكذلك نحن بحاجة للاستثمار الجريء.

    فارس.. هذه العبارة مترجمة بتصرف، حاولت فيها أن أنقل المعنى كما هو مكتوب. بصراحة، برنامج يوزما من أنجح البرامج الحكومية التي قرأت عنها، لأنه يحفز القطاع الخاص ومن ثم يخرج من الصورة.

    أخي وسيم.. نعم يجب علينا أن نفهم العدو لكي نستطيع التغلب عليه..

  5. أخي المسعودي، شكر الله لك هذا المجهود الرائع وهذه الحمية اللتي تشعرني دائما أننا لسنا وحدنا نحلم برفع حالة الإنهزامية في الوطن العربي (ولكني أفضل تسميته العالم الإسلامي محاولة البعد عن أي إنحياز عرقي)

    سوف نكون على إتصال في القريب العاجل إن شاء الله

  6. أولا شكرا لك أخي المسعودي على هذه التدوينة الرائعة
    الصراحة طريقة طرحك لهذا الفصل رائعة جداً .

    و سبب النجاح كما يتضح هو الإستثمار في المشاريع الإبتكارية والإبداعية .
    مشروع يكون ذو فكرة جديدة ودعم للأفكار الجديدة وهذا ما يجعلهم متقدمين عنا بمراحل أن هناك الكثير من الشركات التي تقدم الأموال لأصحاب الإبتكارات والأفكار وتساعدهم على تأسيس شركاتهم أما في الوطن العربي للأسف لا يوجد أياً من هذا الكلام وكما قلت أنت في أكثر من تدوينة أنه لا بد من دعم الإستثمارات الجريئة في الوطن العربي لتحقيق النجاح في الوطن العربي .

  7. الاخ المسعودي جزاك الله كل خير لقد قرأت كل الترجمه وانا بأنتظار ترجمة الجزء الاخير مع الخاتمه وان امكن ترجمة الكتاب كامل من البدايه للنهايه مع جزيل الشكر وبارك الله مجهودكم الطيب

  8. جميل جدًا وهام جدًّا جدًّا.
    سلمت الأيادي.
    لكن لي ملاحظة أرجو أن تتقبلوها برحابة صدر.
    اللغة العربية غير سليمة. فأرجو أن تهتموا بعرض كتاباتكم على مُراجع لغوي قبل نشرها. وتقبلوا تحياتي.

اترك رداً على جورج جريس فرح إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *