عندما يكون القليل كثيراً

هي فلسفة كنت أفكر فيها عندما بدأت التجارة ولكني كنت غير متأكد من صحتها إلى أن شاهدت فيديو من TED، عندئذ تأكدت بأن هذه الفلسفة لها أبعاد علمية، وقررت أن أتبعها في حياتي العملية والشخصية. الفكرة باختصار هو أن تعدد الاختيارات في معظم الأحيان تجعل الاختيار أصعب ولا تزيد من سعادتنا. أحب أن أركز على الجانب التجاري، لأني مؤمن بأن هذا المبدأ مهم جداً في كيفية تسويق المنتجات والخدمات، خصوصاً عندما يكون المنتج مبتكر أو جديد على السوق.

تخيل أنك سافرت إلى بلد بعيد غريب عليك، وعندما وصلت إلى المطار وسألت عن أقرب فندق أخبرك سائق التاكسي بأن هناك ٣٠٠ فندق في المنطقة، كيف سيكون موقفك؟ طبعاً ستحاول مباشرة حصر النتائج لكي تقلل من الخيارات، فمثلاً ستقول أريد الفنادق الـ ٥ نجوم فقط، أو أريد أرخص الفنادق، أو أريد الفنادق المطلة على البحر، ولكن قد تكون نتيجة الحصر ٥٠ فندق، أي أنك ستبقى في نفس المأزق. أي فندق ستختار؟ قد تكون ممن لا يهمه التفاصيل، وستكتفي باختيار أول فندق يصادفك، ولكن الكثير من الناس سيحاول المرور على ٣ فنادق ومقارنتها، إلخ.. تخيل لو كان جواب سائق التاكسي في البداية هناك ٥ فنادق فقط في المدينة، ألن تكون عملية الاختيار أسهل؟

المثال هذا كان للتوضيح فقط.. هناك شركات تعشق تقديم العديد من الخيارات لعملاءها، البعض يرى أنها خدمة عملاء أفضل، وقد يكون هذا صحيحاً خصوصاً في المنتجات الواضحة والمعهودة، لكنها انتحار بالنسبة للمنتجات الجديدة.. سأوضح هذه النقطة لاحقاً.. هل سبق أن سافرت إلى بلد وحاولت شراء رقم تليفون، واجهتني هذه المعضلة في مصر. اشتريت خط من شركة موبينيل، وأخبرني البائع بأن هناك ما يقارب ١٠ خطط أو باقات، كل باقة كانت لها تفاصيل مختلفة، ومقارنتها لم يكن سهل أبداً، في النهاية اخترت باقة ولكني بصراحة لم أكن متأكد أنها الأفضل والأنسب لي. بصراحة، أعتقد أن شركات المحمول تتعمد استخدام هذه السياسة لجني أكبر قدر من الأرباح وأيضاً لكي تستطيع تمييز نفسها في خضم منافسة غير طبيعية في هذا القطاع.

أحب شركة Apple لأن خياراتها قليلة، تطلق جهاز iPhone واحد فقط في كل موسم، وكل ما عليك اختياره هو حجم الذاكرة، خيار سهل، اليس كذلك؟ ماذا لو قررت شراء جهاز نوكيا؟ ستجد أنها قامت بتقديم ١٠ أجهزة جديدة هذا الموسم! طبعاً، جزء من المشكلة هنا أن نوكيا تحاول تغطية قطاعات مختلفة في السوق، يعني جهاز لذوي الدخل المحدود، وجهاز لعاشقي الموسيقى، وجهاز لرجال الأعمال.. إلخ.. لكني شخصياً لا أحب هذه السياسة. أحب معارض Hugo Boss لأنه يعرض فقط نماذج محدودة في كل موسم، لا بل يبالغوا في تبسيط العملية، فيقوموا بوضع قطعتين فقط من كل نموذج، شاهد المعرض. أما المعارض التي لا تفهم في فلسفة البيع وعقلية المستهلك فهي تملء المعرض بجميع أنواع الملابس والالوان بهدف إرضاء جميع أذواق العملاء، شاهد مثال.

في الحقيقة، أرى أن العرب يميلون إلى منح العميل العديد من الخيارات. أذكر أني عملت لدى رجل أعمال مصري في أمريكا كان لديه معرض لبيع الكمبيوترات، وكان المعرض مكتض بالأجهزة. كان عمري عندها ١٩ سنة تقريباً، فأخبرته بأن لدي فكرة ستزيد من مبيعاته بشكل كبير ووافق عليها، كل ما قمت به أني عرضت ٢٥٪ من أصل المنتجات المعروضة في السابق، وأخفيت بقية المنتجات بالمخزن، وبالفعل زادت المبيعات.. غريب، أليس كذلك؟ مرة أخرى مررت بشخص هندي في أحد المولات في أمريكا، لديه كشك – إن صحت التسمية – في وسط المول يبيع فيه أغلقة التليفونات، ويبدو أن عقلية الهندي والعربي متقاربه، فالكشك كان مكتض بألوان وأشكال لا تنتهي من الأغلفة، لدرجة أنه يصعب التمييز بينها، نصحته بأن يعرض فقط ٢٠ غلاف، وكل يوم يقوم بتغييرها. أستغرب جداً من كلامي، قلت له أنا فقط أنصحك يا عزيزي وتركته، لا أدري هل سمع نصيحتي أم لا 🙂

أعود وأقول بأن هذه الفلسفة مهمة جداً عندما تقوم بعرض منتج أو خدمة جديدة في السوق. العميل لا يعرف المنتج أصلاً، فيكفي أنه يعاني ويحاول فهم المنتج، لهذا بسط عملية الشراء له وأعطيه خيارين أو ثلاثة ووضح بسهولة الفرق بين كل خيار. لا تقع في فخ الخيارات والباقات المختلفة، والمواصفات والإضافات والتمييزات التي لا تزيد الصفقة إلا تعقيداً. اليوم في شركتي أتبع هذا المبدأ بإصرار كبير، والحمدلله النتائج ممتازة. مثلاً عندما نقوم ببيع الإعلانات على عقار ماب، نعرض على العميل مساحة واحدة فقط في مكان واحد فقط، القرار الوحيد الذي على العميل القيام به هو تحديد عدد مرات الظهور التي يريد شراءها. البعض يحاول أن يطلب مني عروض أخرى، مثلاً ماذا لو تضع لي إعلان على اليسار أو اليمين أو تحت، ماذا لو كان أصغر، أكبر.. الجواب دائماً، عفواً.. هناك بانر واحد، مقاس واحد، في مكان واحد.. ركز معي فقط على اختيار الكمية يا عزيزي، كم تريد؟ أما لو كان لدينا مساحات مختلفة وبمواضع مختلفة، فالحوار سيتركز على أيهما أفضل، وماذا لو، لكن، لماذا، إلى أين.. دعني أفكر واستشير الإدارة.. إلخ… يفتح الله على البيعة 🙂

14 تعليقا على “عندما يكون القليل كثيراً”

  1. بالفعل عندما تقلل الخيارات وتكون متاكد من رغبة الزبون بمنتجك، فإنك تحقق الهدفين معاً. لكن مايحاول به اولئك الذين يعرضون كل الاصناف دفعة واحدة هي ان يزيدو من احتمال ان يجد المشتري ما يريده عندهم لأنهم يسعون بإرضاء كافة الازواق، وهذا خصوصا في السلع النمطية.

    شكرا على مشاركتنا بفكرة التبسيط, حيث آبل خير مثال على ذلك

  2. أتفق معك على عن سياسة تسويق منتجات عديدة تؤدي نفس الغرض في معرض واحد، هو أمر محير وأحيانا مزعج للشخص الذي يرغب بالشراء.
    التخصص والتميز وخيارات الميزانية لنفس المنتج هو ما يهم الشخص الذي يرغب بالشراء

  3. مقال رااائع جدا أخي عماد , أوافقك تماما عليه ,
    أكاد أختنق عندما ادخل موقعا لشراء شئ ما أو طلب خدمة ما ويطلب الموقع التسجيل وعند بدء التسجيل أرى طلاسما وأمورا معقدة لاأستطيع استيعابها وتمر علي شروط لاأفهمها ولاأستطيع أن اتأكد هل بتسجيلي ستقع علي بعض الغرامات أو شئ من هذا القبيل أم لا وبالتالي لاأحس بالأمان فالأمور معقدة وغامضة فتكون ردة فعلي الركض سريعا خارج هذا الموقع والتنازل عن خدماته بكل سرور ,
    ماأجمل البساطة والوضوح فهي جسر يستطيع الكل صعوده للوصول للضفة الأخرى بكل يسر وسهولة وأمان ويتحقق للطرفين النتيجة المرجوة فلما التعقيد والغموض ؟؟
    وأيضا بالنسبة للأجهزة الحديثة بالأصل هي أمور لانستطيع فهمها ونحتاج لمن يبسطها لنا كي نستطيع اختيار مايناسبنا ولكننا نرى حروف وكلمات تحتاج لمعجم لترجمتها وكأنها ( للأذكياء فقط ) والأغبياء يمتنعون .. عليهم الاصطفاف على جنب وعدم شراء مالايفهمونه ولاحول ولاقوة إلا بالله

  4. بشكل عملي هذا الأسلوب أفضل ولكن أري فعلا عقلية كثير من الشركات تتزاحم في عرض أكبر كم من المنتجات للعملاء بأكبر قدر من الأختيارات مما يمثل عبء علي المشتري ..
    لاحظ مثلا أجهزة اللابتوب ستجد أنها تحولت لشئ معقد كم كبير من الماركات وخصائص كثيرة معقدة ربما أغلبها لا يحتاجها المستخدم وعندما تريد تشتري ستجد أنك بحيرة
    أفضل الأسلوب البسيط بعرض الخيارات ذات الأهمية القصوي فقط وليس التعقيد ! وأتمني أري هذا بالعالم العربي بدلا من سياسية توه الزبون 🙂

  5. منطق سليم واعتقد حتى ان مكان السلعة وتغييره له دور في جذب الزبائن ودليل على حيوية البيع والشراء في السوق

  6. أخ عماد أوافقك الرأي إلى حد ما، بصراحة التنوع في الخيارات لو طرح بطريقة منهجية يساعد الزبون بالإضافة لكونه يزيد من احتمال أن يجد الزبون ما يناسبه بالضبط.
    لكن كما قلت لك، طرح جميع الخيارات وبشكل منهجي ومن قبل رجل مبيعات ماهر، مهارة رجل المبيعات هي أمر مهم جداً في هذه القضية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *