قصص من أمريكا – نسبة التعليم

قصة اليوم ليست عن شخصية معينة وإنما عن ظاهرة فاجئتني في المجتمع الأمريكي. الكثير قد يتوقع أن الاهتمام في التعليم العالي في بلد متطور مثل أمريكا أكبر بكثير منه في دول مثل الوطن العربي، لكني وجدت بأن نظام التعليم الأمريكي يعاني من وجود نسبة كبيرة من الطلاب لا تكمل الثانوية العامة، فـ ٣٠٪ من الطلاب يتوقفون عن الدراسة قبل التخرج، وفي بعض الولايات يصل هذا الرقم إلى ٥٠٪.

طبعاً، نحن نتكلم عن الثانوية العامة وليس الجامعة. أما الجامعة فقصتها مختلفة جداً، فكنت أجد من هو فخور جداً بنفسه لأنه يدرس في الجامعة، ويعتبر ذلك بحد ذاته إنجاز، وهذا بصراحة كان شيء غريب علي وغير متوقع نهائياً، فأنا أرى أن الشهادة الجامعية أصبحت شيء طبيعي وأساسي في الحياة. أذكر أني في بداية مرحلتي العلمية، دخلت في كلية المجتمع بمدينة تاكوما، وهي كلية صغيرة ومتواضعة عادة يدخلها الطلاب ذوي الدخل المحدود، وعندما قابلت الموجه الذي سيساعدني على الحصول على الدبلوم (الكلية لا تمنح سوى الدبلوم، أي لا يوجد بكالريوس لديهم)، أخبرته بطموحي ورغبتي في الانضمام إلى جامعة واشنطن العريقة، واهتمامي في مجال الابتكار والإنترنت، ولكنه بالفعل اكتفى بوضع التخرج من الكلية كهدف لي، وأكد لي بأن مثل هذه الأحلام صعبة وبعيدة المنال! المهم، جاء وقت تخرجي من الكلية، وبدت ملامح الفرح على الكثير من زملائي، أما بالنسبة لي فبصراحة كانت هذه مجرد خطوة نحو هدفي الرئيسي وهو البكالريوس، وعلى الرغم من أني كنت ضمن دفعة الأوائل إلا أني لم أشارك في حفل التخرج، ليس تكبراً أو تفاخراً، ولكني بصراحة شعرت بأنه من المخجل أن احتفل بدبلوم.

بعد هذه المرحلة بدى لي واضحاً أن هناك فارق كبير بين الاهتمام في التعليم في الوطن العربي والاهتمام في التعليم في أمريكا من قبل الأفراد. لا أدري إن وصلت الفكرة أما لا، لكني أعتقد بأن معظم الشباب العربي – في المدن الرئيسية – يطمح للحصول على البكالريوس، بينما هناك شباب أمريكي – في مدنهم الرئيسية أيضاً – يطمح للتخرج من الثانوية. طبعاً هذه مفارقة كبيرة، والبعض سيشكك بكلامي، لكني موقن يقين تام بدقته، لأني عايشت هذا الواقع عن قرب. أذكر أني قرأت نتيجة استبيان قامت به منظمة إسلامية في أمريكا، ونتيجة الاستبيان لم تفاجئني، فنسبة المتعلمين المسلمين في أمريكا كانت أكبر بكثير من نسبة الشعب الأمريكي نفسه، تقريباً على كل المستويات، الدكتوراة، الماجستير، البكالريوس، والثانوية. عند كتابتي لهذه التدوينة بحثت عن بعض الأرقام لتأكيد توقعاتي فوجدت أنه بالفعل ٧٥٪ من الشعب الأمريكي تقريباً لا يحمل درجة البكالريوس.

إذاً، كيف نفسر تقدمهم وتخلفنا على الرغم من اهتمامنا الاكبر بالتعليم؟ لا يوجد لدي جواب كامل، لكن لدي جزء من الجواب. أعتقد بأن العدل والمساواة في المجتمع الأمريكي هي سبب رئيسي من أسباب تفوقهم الاقتصادي، فالذكي والناجح يتم توليته المناصب الحساسة بدون أخذ لون بشرته أو جنسيته أو دينه أو إسم قبيلته بعين الاعتبار، والوساطة والمحسوبية تعاقب بشدة وحزم من قبل القانون. لهذا تجد الشاب الذي لم يكمل الثانوية يقلب رقائق البرجر في ماكدونالدز، والشاب الذي حصل على البكالريوس يعمل في مايكروسوفت، بينما تجد الشاب العربي الحاصل على الدكتوراه يعمل على تاكسي، وابن فلان الذي فشل في كل مراحل التعليم مدير عام مؤسسة حكومية أو نائب رئيس مجلس إدارة شركة بابا !

14 تعليقا على “قصص من أمريكا – نسبة التعليم”

  1. يمكن أن تضيف إلى ذلك قوة التعليم الابتدائي والاعدادي والثانوي عندهم، بحيث لا يتخرج من الثانوية من لا يتقن الإملاء وأبسط قواعد النحو
    أضف إلى ذلك أنهم ليسوا “بلد شهادات” وإنما بلد كفاءات، فإديسون وبيل غيتس وغيرهم كثر لم يكملوا تعليمهم الجامعي ولكنهم علموا انفسهم بأنفسهم فأصبحوا إما علماء معترف بعلمهم رغم عدم وجود الشهادة، أو أصحاب شركات كبيرة يعمل بها كبار العقول
    الشهادات يا أخي العزيز ليست هي المقياس، من لديه الدكتوراة ولم يقرأ كتاباً خارج نطاق الدراسة طيلة حياته لم يصل إلى قدر التعليم الذي وصل إليه طالب ثانوية يقرأ كتاباً في الاسبوع في مختلف التخصصات!
    ألا توافقني الرأي؟
    كما أنه يوجد لديهم طرق بديلة لإكمال التعليم، فيمكن لأي امريكي أو مقيم بأمريكا تجاوز الثامنة عشرة أن يلتحق بكلية المجتمع دون أن يكون لديه حتى شهادة الابتدائية، بشرط أن يصل إلى مستوى معين في اختبار قبول يجرى له. أي أن من لم يحالفه الحظ لاكمال تعليمه في طفولته يمكنه ذلك لاحقاً دون التعرض لحرج الالتحاق بالمدرسة مع من هم في سن أبنائه أو الالتحاق بفصول محو الأمية. ويمكن أيضاً لمن حباه الله عبقرية تمكنه من استيعاب مواد الدراسة الجامعية في صغره الالتحاق بالجامعة دون أن يضطر للمرور باثني عشر عاماً من الملل، ويحصل في هذه الحالة على منحة دراسية بسهولة.

    للمقارنة: الثانوية اليمنية ينتهي مفعولها بعد مضي خمس سنوات، أي أنك إن لم تلتحق بالجامعة خلال خمس سنوات فستضطر لإعادة الثانوية لكي تستطيع دخول الجامعة في اليمن

    على أن ارتفاع نسبة التعليم بين المسلمين في الولايات المتحدة هو مؤشر طيب جداً، ويجعلنا نؤمل بمستقبل أفضل لأمريكا وربما للعالم.

  2. رائعة جدا يا عم عماد
    اعتقد ايضا من اسباب تقدمهم في هذا المجال
    اختيارهم التخصصات التعليمية المناسبة لسوق العمل لديهم وتوفيرها في الجامعات

  3. كلامك يضرب على وتر حساس…
    بخصوص الجزء الأخير, فإن الناجح دائما ما يكون بارزا في مجتمعه, فمن الطبيعي جدا أن يبدو لنا المجتمع الأمريكي كله متفوقا إن تفوقت نسبة فيه لأنهم يبرزون هذه النسبة…
    نقطة أخرى وهي تعاملهم وفكرتهم نحو المراحل التعليمية, فهم يعاملون تلك المراحل الدراسية كما وضعت له…أنقل لك كلاما كتبته بالأمس بهذا الخصوص:
    “- لو خرجت من دراستك بعد الابتدائية, فأنت لديك معلومات “بدائية” تمكنك من العمل في المهن الحرفية, ويمكنك الاستزادة بدراسة الكتب الخارجية, أو التعمق في ما تريد الإبداع فيه كمهنتك التي تعمل فيها…

    – ولو توقفت عن الدراسة بعد المرحلة المتوسطة, فمعلوماتك هنا “متوسطة”, تمكنك من العمل في حرف مهنية أعلى أو بشكل أرقى أو أدق, كأن تعمل في مجال تصنيع الحواسيب الدقيقة مثلا أو إنتاج المواد الكيماوية…

    – ولو تابعت ودرست المرحلة الثانوية, فأنت لديك الرغبة لكي تكون عالما, فهي من اسمها, مرحلة ثانوية, ليست أساسية أولية, فإن كنت تريد أن تكون أعظم من كل أولئك فادرس هذه المرحلة التي تحول لك كتاب “العلوم” إلى 3 كتب أخرى كل منها أكبر من كتاب العلوم ذاته, والرياضيات تصير فيها أكثر عمقا وتبدأ بدراسة الأجزاء الأخرى من الرياضيات غير الحساب والهندسة المستوية…

    – مجرد دخولك للمرحلة الجامعية هو إقرار منك بأنك تريد أن تكون أستاذا عالما يضيف إلى العلم الذي أحببته في الثانوية, فهو رغبة عميقة بأنك تريد أن تعرف كل شيء عن ذلك التخصص لتتمكن من خدمة زبائن هذا العلم على أكمل أكمل أكمل وجه…”

  4. سبب تخلفنا وتقدمهم من وجهة نظري هو انهم ينتجون اكثر اي انتاجية الفرد اكبر بكثير من حصوله على شهادة .. واقصد الشعب بشكل عام يعني الي عنده شهادة والي ماعندة فكم من مؤسسين الشركات العملاقة يفتخر انه ترك الثانوية او الجامعة وكمثال ستيف جوبز او مارك صاحب موقع الفيس البوك ..!

  5. السلام عليكم
    اشكرك على المقال

    انا مثلك لم أتفاجئ بنسبة عدد حاملين البكالريوس وليس مستوى تعلم الشعب هو الذي يحدد قوة الدولة وتقدمها لا انكر ان التعليم له دور ولكن هناك أمور أخرى اكثر اهميه

    انتقاد بسيط وهو ان الاحتفال بشهادة الدبلوم لا يذكر

    اختلف معك كثير في هذه النقطه انا درست في الجامعة وتركت الدراسة في السنة الثالثة وندم أشد اندم أني لم أقوم بدخول الدبلوم

    وانا الان انصح جميع من أعرف بدخول الدبلوم وبعد ان يخرج منه بأمكانه إكمال الدراسة والحصول على البكالريوس ويمكنه الأتجاة إلي سوق العمل

    ليس الدبلوم شهادة يخجل الاحتفال بها فالكثير من حملت الدبلوم أكثر فاعليه في المجتمع مع غيرها من البكالريوس

    أخي العزيز كل أنجاز في حياتك يستحق الاحتفال مهما كان هذا الانجاز

    تحياتي لك
    إبراهيم

  6. شكرا جزيلا على الموضوع

    لكن أود لفت نظرك الى نقطة أخرى
    الكثيرون من حملة البكالوريوس في وطننا العربي (مصر كمثال) ، لا يعملون به
    وانما يعملون في وظائف عادية من نوعية “عمل البرجر” أو البيع في سوبر ماركت

    وهي نفس الوظائف التي يشغلها “حملة الثانوية” في أمريكا

    اذن:
    عدد حملة الثانوية في أمريكا يماثلون عدد حملة البكالوريوس الغير مؤهلين للعمل به

    النقطة الثانية : التكاليف
    البكالوريوس في مصر مجاني ، لا يكلفك الا 4 سنين من عمرك ، تقضيهم في المحاضرات أو في الكافيتيريا ، الخيار لك !

    بينما في أمريكا أظن ان التعليم الجامعي مكلف جدا ، الا لو كنت متفوقا علميا أو رياضيا أو فنيا

    صحح لي ان كانت معلوماتي غير دقيقة

    >مع ذلك ، أرى أنك أصبت في نقطة “الكفاءة” ،

  7. الأخت ياسمين.. لست معجباً بنظام التعليم في مرحلة الثانوية لديهم، لكن الابتدائية والإعدادية رائعتين بكل ما تحمل الكلمة من معنى. بقية ملاحظاتك سليمة.

    أخ محمد صبري.. النقاط التي ذكرتها صحيحة بالفعل..

    شكراً لكم جميعاً على المرور والتعليق..

  8. نعم كلامك صحيح ونفس الامر ينطبق لدي في بريطانيا.

    في بريطانيا اساساً نسبة قليلة من يلتحق بالهاي سكول. بمجرد ان يكمل الابتدائية يلتحق بالكلية (تمنح دبلوم) ومن ثم ان رغبت تستطيع معادلة الدبلوم ببكالريوس في الجامعة ولكن النسبة الاكبر من ديخل الكلية يكون لا نيه له باكمال الدراسة في الجامعة.

    وفي الجامعات تجد البريطانين هم اقل نسبة 🙂 .. خصوصاً جامعة مناشستر الغالبية ليسوا بريطانيين.

    من وجهة نظري سوق عن سوق يختلف بمتطلباته مثلا الطب بدون شهادات عليا لن يحقق النجاح الكبير.

    ولكن سوق مثل تقنية المعلومات يبحث عن العقول التي طورت نفسها باي طريقة كانت ان كانت تحمل شهادة او لا فهذا ثانوي.

  9. بالنسبة لالمانيا التي أعيش فيها فليس كل طالب يكمل الثانوية العامة , كما أن هناك نسبة قليلة من يدخل الجامعة وكانت هناك احصائيات أخيرة تقول أن عدد من يدخلون الجامعة أرتفع و بلغ 36 بالمئة في السنوات الأخيرة ولكن التعليم الألماني صعب و قوي وصارم وهناك مجالات واسعة ومختلفة من الممكن أن ينضم لها الطالب عند انتهائه من الصف العاشر , بإمكانه أن يكمل الثانوية العامة ( 3 سنوات ) ومن ثم الجامعة إذا كانت علاماته في الصف العاشر مرتفعة والبقية تتوزع على كليات كثيرة ومتخصصة ومتنوعة بعد الصف العاشر تنتهي إلى التخصص المطلوب في أسواق العمل وفي هذه الكليات ينقسم التعليم إلى عملي ونظري والعملي يكون في أماكن العمل التي يود أن يلتحق بها الطالب حتى يكون جاهزا عند التخرج وهنا نجد أن أرباب العمل يتيحون الفرصة للطلبة في التدريب لديهم وبمقابل مادي بسيط يعطى للطالب ويبدو أنه اتفاق مابين وزارة التربية والعمل .. باختصار التعليم المهني المتخصص والقوي هو ملاذ أكثر الطلبة في ألمانيا والقلة تنضم للجامعات , ولكن بإمكان الطالب الذي انتهى من الكليات المهنية أن يكمل تعليمه مستقبلا في نفس تخصصه في الجامعة إذا أراد ذلك ( نسبة بسيطةمن تعمل ذلك ) لانه يتخرج من الكليات وهو تقني محترف وتستقبله أسواق العمل ليعمل لديها

  10. في العالم العربي بيعتبرو الشخص الذي لم يكمل الدراسة الثانوية شخص فاشل حتى و ان كان على إطلاع اكثر من طالب البكالوريوس، المخترع أديسون لم يدرس في المدرسة لكنه أختراع إختراعات غيرت وجه العالم

  11. شكرا على هذا الموضوع. كاتب السطور حاصل على شهادتى دبلوم وبكالوريوس . ومع ذلك يعتبر اﻷهتمام بالشهادات اﻷكاديمية مبالغ به قليلا . كما ذكر اﻷخوة اﻷهم الكفاءة والمهارة الفنية أكثر من الشهادات . حيث نجد كثير من خريجى البكالوريوس تنقصهم الخبرة العملية خاصة فى المجاﻻت الفنية والتقنية ويرجع ذلك الى مناهج الحشو والتنظير , السائدة فى الجامعات – على اﻷقل فى بلدى – وعدم اﻻهتمام بالتدريب . ونقص المعامل والورش المتخصصة . لذلك الطريقة اﻷمريكية قد تختلف عن الموجودة فى أغلب البلاد العربية – أرجو تصحيحى اذا لزم – .

  12. ممكن التعليم عندهم وسلية للمعرفة و عندنا غاية من أجل الحصول الشهادة و الوظيفة و المال و السمعه دون وجود رغبة حقيقة في إكتساب العلم

    أمريكا من مصادر قوتها الأيدي العاملة (( حملة الثانوية )) السوق العمل هناك قادر على توظيفهم فور حصولهم على الشهادة لأنهم يعملون في تشغيل المصانع و المهن اليدوية و البناء و غيره لذلك إنتظارهم حتى يحصلون على البكالوريوس يشكل فراغ في سوق العمل

    أخيراً يجب أن تعلم أن الناس غير متساوون في رغبتهم و قدرتهم على التعلم لذلك تجد أشخاص يفهمون مادة الرياضيات و بعض لا يفهمها

    أيضاً أمريكا تستورد مبدعين و أطباء من جميع الدول هناك الكثير من العلماء من الهند يعملون في مايكروسوفت منهم مبتكر الماسنجر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *