ريادة الأعمال: قصة أمس وحلم اليوم

صفحات كتاب محركو الاقتصاد اليمني الذي يتناول قصص نجاح أهم 100 رجل أعمال يمني، ذكرتني ببحث قمت به قبل عدة أشهر يتعلق بتحديد شخصيات ريادية شابة في الوطن العربي، فالتشابه بين قصة رجال الأعمال اليمنيين لا تختلف كثيراً عن قصة بقية رجال الأعمال الناجحين في بقية الدول العربية. هناك نسق واضح جداً، إليكم كيف تبدأ القصة:

التاجر فلان بدأ تجارته بدكان بسيط ومتواضع يبيع منتج معين في “دكان فلان”، وبعد 20 سنة من الجهد والمثابرة، تم فتح فرع جديد للدكان، وبعد 10 سنوات أخرى تسارع النمو وأصبحت “شركة فلان” تمتلك فروع في كل المدن.  من ثم دخلت الشركة في قطاع جديد وبدأت تقدم تبيع منتجات أخرى، وفي هذه المرة تم النمو بشكل أسرع بكثير، ومن ثم تم فتح شركة أخرى، ودخلت الشركة في عدة مجالات، وأخيراً تم تغيير إسمها إلى “مجموعة فلان”.  الآن أصبح الشيخ أو الحاج فلان رئيس مجلس إدارة المجموعة وتولى أبناء فلان إدارة شركات المجموعة وتطويرها.

قصة التاجر فلان مليئة بالعبر، فهي تجسد المثابرة والكفاح والنجاح، ولكن يجب علينا أن ندرك بأن سوق اليوم المليئ بالمنافسة المحلية والدولية يستدعي  إعادة النظر. إليكم بعض النقاط المهمة:
1. عندما افتتح التاجر فلان دكانه كان هدفه هو تأمين مصدر رزق لعائلته، لهذا لم يفكر في النمو مباشرة، وإنما بعد وقت طويل جداً اكتشف بأن أمامه ثروة تجاهلها لمدة طويلة، وعندها فقط قرر توسيع شركته. وهنا يجب أن لا نلوم التاجر فلان، بل على العكس، يجب أن نحترم شجاعته، فبالتأكيد كان هناك أكثر من تاجر لديه دكان مشابه، لكنه الوحيد الذي قرر المخاطرة والتوسع.
2. بعد نجاح شركة فلان، اكتشف التاجر فلان بأن المنافسة المحلية ضعيفة جداً، فقرر الدخول في مجالات أخرى، ولا بأس في هذا القرار إلا أنه عادة ما يفقد مجموعة فلان للاستراتيجية المنظمة، فتجد المجموعة تبيع السيارات، ولديها بنك، ومزرعة دواجن، ومستشفى، ومصنع بسكوت. طبعاً تنويع المنتجات فيه توزيع إيجابي للمخاطر، لكنه يسبب تشتيت في نمو الشركة ويقلل من كفاءة وفعالية الفريق الإداري.
3. معظم هذه المؤسسات التجارية عبارة عن شركات عائلية، فالحاج فلان يحاول أن يورث حرفته وصنعته وتجارته لأولاده. والحقيقة، أن هناك قصص نجح الأبناء في تطوير الشركة وتوسيعها، ولكن في الغالب تتدهور مجموعة فلان بعد رحيله بعد عمر طويل. فأحياناً يولي الحاج فلان ولده إدارة الشركة بالرغم من عدم رغبة الولد، وأحياناً صغر عمر الولد وقلة خبرته تفرز قرارات متسرعة، ولا ننسى الخلافات العائلية في مجال الورث وتقسيم الأملاك وأثرها السلبي على مسيرة الحاج المرحوم “فلان”.

كلي احترام وتقدير للحاج فلان ولما قدمته شركته للمجمتع والاقتصاد المحلي، ولكن أملي أن يستفيد رواد أعمال اليوم من أخطاء رواد أعمال الأمس، وفي نفس الوقت أن يستمدوا منهم الإلهام والتحفيز. إليكم الدروس المستفادة من وجهة نظري:

1. إبدأ مشروعك بطموح عالي، وكن على ثقة بأنك تستطيع اكتساح الأسواق العالمية وإنتاج شيء جديد ومميز. ريادة الأعمال نوعان، ريادة الأعمال الصغيرة (دكان، سائق تاكسي، إلخ..)، وريادة الأعمال القابلة للنمو (شركة نقل بحري، موقع إلكتروني عالمي، إلخ..).  لدينا الكثير من النوع الأول، نحن بحاجة ماسة للنوع الثاني.
2.  عندما يبدأ مشروعك بالنجاح، واصل تطويره وتوسع في مجالات مرتبطة بمنتجك أو خدمتك الرئيسية. لا تجعل الحواجز الجغرافية تحصر طموحك، إن نجحت في مصر، فتوسع للوطن العربي، وإن نجحت في الوطن العربي، توجه إلى السوق العالمي. استمر في التركيز على خدمتك الرئيسية ولا تشتت تفكيرك.
3. كون فريق عمل قوي بعيداً عن المجاملات، اختر ناس أمناء أكفاء تستطيع الاعتماد عليهم. لا بأس في أن تعطي ولدك منصباً مرموقاًيوماً ما، ولكن إن لم يكن مؤهلاً لا تجعله صانع قرار. إن كنت تحبه أعطه جزء كبير من ملكية الشركة، لكن لا توله زمام الأمور إلا إن كان أهلاً لها. هذا الكلام ينطبق على أقاربك وأصدقاءك أيضاً. هذه هي الوساطة التي دمرت مجتمعنا لكنها بشكل مختلف، اجعل الكفاءة عامل لتحديد القادة في شركتك.

أقتصادنا اليوم قائم على النجاح الذي حققه جيل الأمس، وجيل اليوم مربوط بحبال اليأس والتذمر واختلاق الأعذار. ابحث، تعلم، وانطلق.. كُن تاجراً !

6 تعليقات على “ريادة الأعمال: قصة أمس وحلم اليوم”

  1. نظريا ، كلام رائع .
    عمليا .. صعب جدا في عالمنا العربي .. لا اريد ان اكون مثبطا .. ولكن هذا هو الواقع . ومع ذلك ، اعتقد ان استمرار المحاولة وعدم اليأس ونقاشها على صفحات الإعلام سيصل بنا إلى نتيجة ولو بعد حين ..

    وأعتقد ان المنتج الجديد ذو الخامة و الجودة العالية سيفتح لنفسه الأبواب رغم العراقيل.

  2. شكراً منير..

    سعيد، أتفق معك.. الكلام صعب التحقيق على أرض الواقع في الوطن العربي اليوم.. ولكن يجب علينا المحاولة..

  3. السلام عليكم،

    أخي، ليست مجاملة، لكن أشكرك فعلاً على هذه المدونة القيمة، أصبحت أتابعها باستمرار ويكفي طرح هذه المواضيع للنقاش لوصف المدونة بأنها قيمة.

    أتفق معك على جزء مما ذكرت ، وأضيف عبرة أخرى ممكن الاستفادة من تجربة رواد الأعمال السابقين، وهي أن معظم أعمالهم قائمة على جهود بدنية قائمة على المتابعة والعمل لساعات طويلة ، وليست قائمة على إضافة فكرة جديدة أو خلق قيمة مضافة للمجتمع، فهي إما عمليات بيع، أو عمليات زراعة ،… إلخ لكن الفكرة الجديدة والتي تحوي قيمة مضافة فيها هامش مغامرة أكثر إلا أنها تخترق الزمن بالنسبة لأي رائد أعمل.

    أرجو معرفة رأيك، وأراء إخوتي القراء …

  4. مرحبا اخي
    كلام رائع يشد من الهمم
    كان لي اضافة بسيطة جدا مشهورة عندنا في اليمن

    وجيل اليوم مربوط بحبال اليأس والتذمر واختلاق الأعذار. ابحث، تعلم، وانطلق.. كُن تاجراً !
    ( و قع رجال )

اترك رداً على عمر إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *