عودة العقول العربية إلى مواطنها

سوقنا الفكري العربي في حرب استنزاف مع الأسواق الأجنبية التي تقوم باستقطاب عباقرة ومبدعي الوطن العربي. البعض يظن بأن أمتنا خالية من المفكرين وبأن إبداعاتنا هي مجرد وهم أو تاريخ قديم يعود إلى أيام إبن سيناء والخوارزمي وجابر بن حيان. ولكن الحقيقة هي أن أمتنا لازالت تنتج أفكار ورجال مبدعين، ولكن ما ينقصهم هو البيئة المناسبة لتنمية الإبداع محلياً.

أذكر أني في يوم ما فتحت موضوع للنقاش بيني وبين زملائي المغتربين، وكان سؤالي لهم هو: ما الشيء الوحيد الذي لو تم إصلاحه لعدتم مباشرة إلى البلد ولتركتم حياة الغربة؟ البعض ذكر مشاكل البلد والبعض ذكر التخلف ونظام التعليم والرواتب والفقر… وطالت القائمة، والكل يشتكي من شيء هنا وشيء هناك. حقيقةً، أرى أن أكبر مشكلة تعاني منها اليمن وبقية الدول العربية هو إنعدام العدل. لا أقصد العدل فقط في المسائل الشرعية والقضاء، وإنما العدل في كل شيء.

إن سر نجاح المجتمع الأمريكي من وجهة نظري يعود إلى وضعهم للرجل المناسب في المكان المناسب دون النظر إلى جنسيته أو لغته أو أي عامل آخر. يتم تقييم الرجال على حسب قدراتهم ومستواهم الفكري، ولهذا يتم منح منصب القيادة للأكفأ – مع استثناء حالة رئيسهم بوش فهو حالة شاذة في هذا المثال. من واقع معايشتي للمجتمع الأمريكي لاحظت بأنه معدل ذكاء الطلاب في الدول العربية يفوق معدل ذكاء طلابهم، وكنت أستغرب من سبب نجاحهم وسبب تخلفنا. ولكن مع تعمق خبرتي في منظمات وشركات هذا الشعب، وجدت مناصب مهمة يشغرها الأسيوي والعربي والروسي والأسباني، أي أن هذه الدولة تعتمد على أكفأ الشخصيات في العالم وليس أكفاء شخصياتهم فقط.

إذا عدنا إلى مجتمعاتنا العربية، سنجد أن المناصب المهمة في الشركات والمنظمات والحكومات يشغرها أبناء الشخصيات المهمة، ويتم تقييم الناس حسب الكشخة والسيارة والثوب والقبيلة. أما عباقرة الأمة ومبدعيها فالمحظوظ منهم ينتهي به المطاف كمدرس جامعي أو مدرسي لا يملك أي ميزانية للبحث والتطوير وطلابه عنده لمجرد شهادة. أما مندوبي الحظ فنجدهم إما عاطلين عن العمل أو في نطاق مهني ليس له أي ارتباط في مجال التخصص. هذا الواقع المرير هو المسبب الرئيسي لهروب مفكري أمتنا إلى دول تحترم مكانتهم العلمية وتمنحهم البيئة المناسبة للنجاح والإبداع وتكافئهم على ذلك.

ما الحل؟ الحل هو العدل وتطبيق تعاليم ديننا الحنيف وسنة نبينا محمد (ص). فلو تم تطبيق قوانين الشريعة الإسلامية وتم منح المناصب إلى مستحقيها بعيداً عن التعصبات القبلية والوساطات وتأثير المعاريف، سنجد أن أهم مناصبنا سيتم منحها للأكفأ والأنجح. وضع الرجل المناسب في المكان المناسب سيولد طاقة قيادية قادرة على القيام بهذه الأمة من سباتها العميق. أما إذا قررنا الاستمرار على ما نحن عليه اليوم، فلنستعد لفقدان المزيد من المبدعين ولننسى أحلام النجاح والإبداع ما دامت القيادة مبهمة.

3 تعليقات على “عودة العقول العربية إلى مواطنها”

  1. بالفعل أخي الكريم هي هجرة نتمنى أن تنتهي ليعود النوابغ إلى بلدانهم. بالمناسبة هذه ليست ظاهرة طبيعية ناتجة عن الفرق في المرتبات والحوافز، الشركات والحكومات الغربية لديها برامج متخصصة لتنمية هذا المجال، وهو ما يسمونه:
    Brain Drain

    نتمنى أن تنتبه حكوماتنا النائمة – أو شركاتنا على الأقل – لهذه الظاهرة للحفاظ على ما تبقى لنا من قدرات وموارد بشرية.

  2. فعلا و الله 😀
    الكشخه و السيارة

    عموماً….إصلاح الدول العربية سهل جدا…كل مايتطلبه هوا استبدال كل الرؤساء العرب برؤساء اكثر شرفاً من الموجودين حاليا

    مدونتك رائعة…تابع نحن معك!

اترك رداً على لؤى نجاتى إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *