أفضل جامعات العالم تشكل قائمة طويلة وتتمركز في الولايات المتحدة وأوروبا، ولكن من الحزين جداً أن جامعات الشرق الأوسط لم تستطع الوصول حتى إلى هوامش هذه القائمة – باستثناء الجامعات الإسرائيلية. لقد انخرطت في المجال العلمي في الوطن العربي وفي الولايات المتحدة وفوجئت بأن المستوى العلمي للطلاب العرب أعلى بكثير من الأجانب من حيث القدرات الاستيعابية والذكاء وقوة الذاكرة. اليوم، قررت أن أدلو برأي قد يكون له أساس من الصحة، وهو أن جامعاتنا تحتاج أن تدمج بين الجانب النظري والجانب العملي.
مايفتقده نظامنا التعليمي من الإبتدائية إلى الدكتوراة هو جني ثمار المعرفة النظرية عن طريق تطبيقها بشكل مباشر في المجال العملي. لماذا نجد المهندسين العرب هم الأكفء من حيث الدرجات والتقديرات العلمية، ولكن أعمالها وإبداعاتهم وإنجازاتهم لا تصل إلى مستوى المهندسين الأجانب. أرجوا ألا نلقي اللوم على الحكومة، أو الحظ، أو عدم توفر الفرص. كل هذه عوامل مؤثرة، ولكني أرى بأن كيفية تعاملنا مع المشوار العلمي هو جزء من المشكلة. إليكم بعض الأمثلة التي يمكن تطبيقها لدمج الجانب النظري بالعلمي:
Internship – الوظيفة التدريبية
أعلم بأن هناك العديد من الجامعات العربية التي بدات تتبنى هذه العملية، وهي عبارة عن إرسال الطلاب خلال السنوات الأخيرة من مشوارهم العلمي لكي يعملوا كمتدربين في شركات أو مؤسسات أو مستشفيات. بالتأكيد، هذه خطوة سليمة في الإتجاه السليم، ولكن نحتاج المزيد؛ من وجهة نظري، أرى أن الحصول على وظيفة تدريبية يجب أن يكون شرط من شروط التخرج. كذلك، لا يجب حصر هذه الفكرة على الطلاب الجامعيين فقط، يمكن لطلاب الثانوية المشاركة فيها أيضاً لكي يكتسبوا خبرة عن المجال العلمي مما قد يساعدهم على اختيار تخصصهم الجامعي. الوظائف التدريبية مفيدة لكلا الطرفين، الطالب والشركة. الكثير من الوظائف التدريبية تعتبر وظائف تطوعية – بدون مرتب – مما يسهل العملية على الشركة، ويوفر فرصة مناسبة للطلاب للاختلاط بالواقع ومحاولة تطبيق النظريات التي تعلمها. مثل هذه التجارب، تعين الطالب على التركيز على الجوانب المهمة في ما تبقى له من مشواره العلمي، وكذلك تهيئة للحصول على وظيفة رسمية بعد التخرج.
Business Plan Competition – مسابقة المشاريع التجارية
يمكن لطلاب كلية التجارة والإدارة تعلم الكثير من المواد العلمية، ولكن التجارة تحتاج إلى خبرة وممارسة. يجب على الجامعات العربية إقامة مسابقات لمشاريع تجارية، بحيث يقوم كل طالب مهتم بتجهيز مشروع تجاري فردي أو جماعي ليشارك به في المسابقة. تستطيع أن تقوم الشركات بدعم المسابقة وتقديم الجوائز التشيجية، أو الدعم المادي للمشروع الناجح لكي ينتقل من طور الفكرة إلى طور الشركة الرسمية. لدينا الكثير من المتخرجين وحاملي الشهادات، ولكن ينقصنا المفكرين والمبدعين، نريد أفكار جديدة ومشاريع جديدة وشركات جديدة. يجب على القطاع العلمي غرز ثمار الإبداع والتنافس لكي يغذي القطاع العملي بكل ما هو جديد من شباب المجتمع.
Mentoring – التوجيه
ما الذي تعرفه كطالب ثانوية أو كطالب جامعي عن السوق العملي؟ هل تستطيع استيعاب احتيجات السوق ومدى الطلب على تخصصك بتفرعاته العديدة؟ ما هي أهم القدرات التي يجب عليك اكتسابها خلال دراستك العلمية لكي تحقق أكبر نجاح؟ بإمكانك التخمين، أو بإمكانك أن تسأل أصدقائك، ولكن لماذا لا تسأل أصحاب الخبرة؟ دائماً يصلني اتصال أو رسالة من أحد الشباب يسئلني عن تخصصه أو عن سوق العمل، وعادة أجيب بما أعرف، ولكني كثيراً أجد نفسي عاجز على شرح مجال غير مجالي. لهذا، يمكن للجامعات أن تقيم برنامج توجيه يتم من خلاله تعريف كل طالب بشخص ناجح في مجاله ويتم التواصل والتعاون بينهما بشكل تطوعي. يمكن لطالب الطب أن يتعرف على جراح في مدينته، وطالب التجارة يتعرف على صاحب شركة.. إلخ. مثل هذه العلاقة ستساعد الطالب على فهم السوق العملي، وكذلك ستمنحه علاقات مهمة قد تساعده في شق طريقه بعد التخرج.
Volunteering – العمل التطوعي
من يريد أن يعمل مقابل لا شيء؟ ماذا لو كان المقابل هو الخبرة العملية؟ يجب على الطلاب البدء في البحث عن عمل تطوعي لكي يكتسبوا خبرة عملية في مجالهم خصوصاً في السنوات الأولى من الدراسة الجامعية. إذا كنت طالب هندسة فلا تبحث عن عمل تطوعي في مستوصف صحي أو شركة تجارية، إبحث عن عمل في شركة هندسية. يجب أن يكون العمل التطوعي في مجال الدراسة، ويجب أن يجني الطالب خبرة عملية حقيقية. العديد يسألني عن مدة مثل هذه الأعمال، اسبوع، شهر، سنة..؟ جوابي هو: إعمل كمتطوع ما دمت تكتسب خبرة جديدة كل يوم، وما دمت غير قادر على الحصول على وظيفة. العمل كمتطوع لا يكسبك خبرة فحسب، بل يمنحك فرصة لإثبات قدراتك، وإن كنت بالفعل إنسان فعال فسيكون من الصعب جداً على الجهة المستضيفة لك أن تستغني عنك.
Research – البحوث العلمية الخاصة
هذه النقطة تتعلق بدكاترة وبروفيسورات الجامعات العربية، أو كما يحب والدي أن يسميهم بالداينصورات – الوالد دكتور جامعي أيضاً. ما دامت هذه الشريحة من المجتمع مثقفة وذات علم وخبرة، فيجب على الجميع الاستفادة منها، خصوصاً الشركات التجارية وغيرها من المؤسسات. لماذا تقوم الشركات بتوكيل مكاتب استشارية لحل مشاكلهم ولدينا جامعات مليئة بكفائات علمية ومؤهلات. يجب أن يتم فتح باب البحوث الخاصة، بحيث يمكن لأي شركة أن تطلب من الجامعة بحث علمي في مجال ما بحيث تعود أرباح البحث العلمي على الشخص القائم بالبحث وعلى الجامعة أيضاً. أمثال هذه البحوث، تعين الدكاترة العودة إلى أرض الواقع بعيدة عن الجانب النظري، لكي يتم تطبيق أفكارهم في السوق العملي. وكذلك، تعود مثل هذه التجارب بفوائد كبيرة على الطلاب حينما يقوم الدكتور بمشاركة الطلاب في البحث أو باستعراض نتائجة معهم.
هذه بعض الأفكار التي راودتني حينما فكرت في كيفية استعادة تركيز المشوار العلمي على السوق العملي.