اسيتراد جامعة أم استيراد فكر

أدركت أمتنا بأن عائدات البترول والغاز لن تدوم، وبأنه يجب عليها تنويع مصادر الدخل القومي عن طريق التوسع في النطاق الصناعي والزراعي والتجاري. وبعد فترة وجيزة بدأنا نلاحظ أن التوسع في هذه النطاقات غير كافي لتغيير وضع أمتنا ودولها بين دول العالم، لهذا بدأت العديد من الدول العربية في التركيز على النطاق العلمي وما يتضمنه من تحسين النظام الجامعي وما يلحق به من أقسام الدراسات والبحوث.

بدأ المشوار مع الجامعة الأمريكية وفروعها العديدة في مصر ولبنان والإمارات. من ثم جاءت قطر بفكرة أفضل وهو استقطاب الجامعات ذات الصيت والشهرة لتفتتح فروع لها في قطر، فأستطاعت أن تقنع كارنيج ميلون وتكساس إم أند إم وكورنيل وغيرهن من الجامعات، وبذلك نجحت قطر في استيراد الجامعات. حقيقة، سأكون ظالماً إن بدأت في تقييم مدى نجاح هذه الجامعات ومدى تأثيرها في المجتمع القطري، لأني لم أدرس في إحداهن لكي أقوم بتجربة نوعية التعليم، ولا يوجد لدي أي معلومات أو إحصائيات دقيقة عن هذه التجربة. ولكن الأسئلة التي ستحدد مدى نجاح هذه التجربة قد تأتي في الصياغ التالي: كم عدد البحوث والمؤلفات العلمية التي أصدرها طلاب قطريين في هذه الجامعات؟ كم درجة دكتوراة أصدرت لأهل البلد؟ ما هي الإنجازات الجديدة والمميزة التي قام بها خريجي الجامعة؟ والسؤال الأكثر أهمية بالنسبة لي: كم عدد براءات الاختراع التي أنتجيها أهل البلد نتيجة تخرجهم من هذه الجامعات؟

طبعاً، كما قلت مسبقاً، يصعب تقييم هذه التجربة حالياً ربما لحداثتها أو لقلة المعلومات المتوفرة عنها، ولكن قريباً بإذن الله سنتمكن من التقييم لمعرفة الاتجاه الجديد الذي سنسلكه: نقل التجربة إلى البلدان المجاورة أم البحث عن البديل؟ شخصياً، أرى بأن الفكرة رائعة وخطوة سليمة في الاتجاه الصحيح، ولكن أتمنى ألا تكون مجرد استيراد لاسم جامعة، يليه استيراد للكادر التعليمي، ومن ثم استيراد للطلاب أيضاً.

مؤخراً، قام أحد زوار المدونة بإرسال عدد من المقالات عن جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية. كنت قد سمعت عن هذا المشروع بالإضافة إلى عديد من المشاريع العملاقة التي تم إطلاقها في السعودية، ولكن عندما زرت موقع الجامعة أعجبت بما قرأت وبالأسس التي سيتم بناء النظام الجامعي عليها. في البداية ظننت أنها مجرد مشروع مشابة لمشروع استيراد الجامعات الذي قامت به قطر، ولكن بعد تفحص وتدقيق أدركت أنه ليس مشروع استيراد جامعة وإنما إستيراد فكر. فكر إبداعي مليء بالحرية، حرية قد تخرج عن نطاق ديننا وتقاليدنا. لا شك أن من قام بهندسة هذا المشروع قام بدراسة أسباب نجاح الجامعات الأجنبية، لأن قوانين ونظم وأسس هذه الجامعة مطابقة بشكل كبير مثيلاتها في الولايات المتحدة وأوروبا. شخصياً، أتمنى أن ينجح هذا المشروع وأتمنى أن نرى ثماره، لأن جديته ظاهرة، وميزانيته كبيرة وكافية لاستقطاب أكبر مفكري وعلماء العصر. ولكني أبقي تحفظاتي على الحرية التامة التي سيتم زرعها كبذور لهذا المشروع.

بين استيراد الجامعة واستيراد الفكر وقفت حائراً. لماذا يبقى تفكيرنا محصوراً، لماذا التقليد، ألسنا بقادرين على بناء صروح علمية تتناسب مع ديننا وتقاليدنا وثقافتنا. لماذا نظن بأن هذه المفاهيم والأسس هي سبب تخلفنا، بينما السبب الرئيسي هو عدم جديتنا في السعي إلى العلم وطلبه. لو أن جابر بن حيان وابن الهيثم والخوارزمي وغيرهم تتبعوا علوم الفرس والروم لما نهضت أمتنا ولما نهضت أوروبا ولما وصلنا إلى ما نحن عليه من علم وتطور اليوم. إن الخطوة التالية لا تأتي من تقليد الحركة التي بنيت عليها الخطوة السابقة، وإنما هي خطوة ناتجة عن حركة جديدة مبنية على الخطوة السابقة – استيراد العلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *