الفرق بين الكلام والتواصل

الفرق بين الكلام والتواصل هو نفس الفرق بين السمع والإنصات، فعندما تتكلم يسمعك الناس ولكن عندما تتواصل ينصت لك الناس. كنت أتحدث مع بعض الأصدقاء على هذه النقطة مؤخراً، وذكرت لهم نقاط رئيسية استخدمها شخصياً وأحاول دائماً التركيز عليها لكي لا يصبح تواصلي مع الناس مجرد كلام:

١ـ إدراك اللحظة: من أهم العوامل التي تساعدني على الإلقاء بشكل أفضل هو أن أحاول أن أدرك اللحظة التي أتواجد فيها ولا أنسى هدفي الرئيسي، ومن هو الجمهور، وما الذي أقوم به وما الذي أقوله في هذه اللحظة تحديداً. قد يكون هذا المفهوم غريب نوعاً ما، لكني كنت في السابق أفكر وأجهز نفسي كثيراً لإلقاء كلمة أو مقابلة شخص مهم، وما أن أبدأ في الكلام حتى أجد نفسي دخلت في وضع آلي لا أدري من الذي يتحكم فيه، أتحدث فيه واستمر في الكلام دون أن أركز على تحركات جسمي، تفاعل الجمهور، أين وصلت بالضبط في الكلام، إلخ.. ولكني الآن أسعى دائماً لتذكير نفسي بالموقف وأنا فيه، فمثلاً عندما أحاول تحليل الموقف وأنا فيه ألاحظ إني أتحدث للصف الأول من الجمهور فقط (تلقائياً) فأبدأ بتوزيع النظر على بقية الجمهور لكي لا أفقد اهتمام من الخلف مثلاً.. أحياناً أجد أني لم أتحرك من المكان الذي بدأت الكلام منه (بالرغم من أني أعرف أهمية الحركة على منصة الإلقاء)، لهذا أبدأ بالحركة .. وهكذا.

إدراك اللحظة هو أهم عامل في الإلقاء الناجح، وهو الذي يساعدني على تأدية بقية النقاط بنجاح:

٢ـ الوقفات والصمت التام: للتوصيل المعلومة أو الفكرة بشكل واضح يساعد الجمهور على الفهم يجب الإكثار من الوقفات، فبين كل فكرة وفكرة أو حتى بين كل جملة مهمة وجملة أخرى، توقف قليلاً لثواني وأعطي الجمهور فرصة لفهم الموضوع. التحدث بشكل متواصل لا يساعد على الفهم إطلاقاً وأحياناً يساعد على تشتيت انتباه الجمهور. أحياناً استبدل الوقفة بصمت تام، صمت غريب لفترة غير طبيعية، وعادة استخدم هذه الحيلة في التوقيت المهم جداً، مثلاً قبل الحديث عن موضوع مهم جداً، أو بعد إلقاء سؤال. أحب أن أمد فترة هذا الصمت قدر الإمكان، لأنه يجعل المنتبه معك يتساءل ويزيد اهتمامه، والشخص الشارد الذهن يستغرب لماذا توقفت عن الحديث فيعود لينتبه معك. أيضاً، يمكن استخدام الصمت التام عند بداية الحديث في حالة عدم انصات الجميع لك، بدلاً من البدء فوراً في التحدث أو بدلاً من طلب الهدوء من الجميع، فقط ألقي السلام ومن ثم اصمت ل٣٠ ثانية أو حتى لدقيقية وتأمل في الجمهور، وستجد أن الجميع يبدأ بالإنصات تدريجياً لأن هناك صمت غريب وغير متوقع. أذكر أني قابلت شخص مهم جداً في أحد الايام وكنت أعرض عليه عرض معين، وكان حوله ٥ من مساعديه فطلب مني البدء بالحديث وكان يتحدث مع شخص على تليفونه (شخصية مهمة طبعاً)، الكل كان منتبه لما سأقوله ما عدى هوى، فطبعاً لم ابدأ والتزمت الصمت. أشر لي عدة مرات بالبدأ بالحديث وحاول أن يوهمني بأنه ينصت لي، لكني لم أتحدث وابتسمت وأخبرته بأني سأنتظر إنتهاء المكالمة. للأسف بعد كل مكالمة كانت تأتي مكالمة أخرى فيطلب مني مساعدية أن أواصل شرح الموضوع ، لكني التزم الصمت مرة أخرى، فأدرك صديقنا أني لن أتحدث حتى ينصت لي فأغلق هاتفة 🙂

٣- الصوت والنبرة: لا يخفى علينا طبعاً أهمية التلاعب بالصوت ونبرته، فهناك مواقف تستدعي انخفاض الصوت، ومواقف تستدعي ارتفاع الصوت بشكل مفاجئ مع تغيير ملحوظ في النبرة. هذا التلاعب بالصوت يساعد أولاً على الحفاظ على انتباه الجمهور لأن الحديث بنفس مستوى الصوت وبنفس النبرة يساعد الذهون على السرحان. يمكن اعداد لقطات محددة مسبقاً لكي يتم فيها رفع الصوت نظراً لأهمية ما سيقال ويا حبذا لو سبق هذا المقطع وقفة أو صمت طويل، وأيضاً يمكن استخدام رفع الصوت أو انخفاضه بشكل مفاجئ لتحريك الجمهور في حالة شعورك بأنك فقدت جزء كبير من الجمهور.

٤- الجسم والعيون: هناك مدارس مختلفة بخصوص حركة الجسم، وأنا بحكم طبيعتي الشخصية أفضل الحركة الكثيرة، سواءاً بالتحرك في القاعة كثيراً لدرجة أني أحياناً أحب أن اتحرك إلى منتصف القاعة مما يجبر من هم في الأمام إلى الإستدارة لمتابعتي، والهدف هنا هو القيام بغير المتوقع، مما يجعل الحديث أكثر تشويقاً حتى لو كان الموضوع غير شيق بالأصل. أيضاً، أحب الشرح باستخدام الأيدي لهذا أفضل دائماً استخدام المايك اللاسلكي، واستخدام تعابير وجهي وحركة جسدي لتوصيل الفكرة إن استدعى الأمر. موضوع آخر لا يقل أهمية هو العيون وأين تنظر كمتحدث، فالكثير (وأنا منهم أحياناً) عندما يتحدث لجمهور ينظر إلى الأفق (فوق رؤوس الجمهور) وليس إلى الجمهور نفسه. ما أجده أكثر فعالية هو توزيع النظر على الجمهور وليس بشكل عشوائي خالي من التركيز، وإنما أقوم باختيار أشخاص معينين وأوجه كلامي لهم، ومن ثم أنتقل إلى أخرين بشكل عشوائي. أجد بأن التركيز على شخص معين يساعدني في تحسين الإلقاء ومراقبة معالم وجهه وتفاعله معي، وايضاً، ألاحظ عادة أن الخمسة أشخاص المحيطين به يتفاعلون معي ربما لأنه يبدو لهم بأني أتحدث معهم 🙂

٥- سرد القصص: لا شيء أقوى من القصة أو الحكاية فعقولنا تهوى القصص فهي أكثر تشويقاً وأكثر واقعية. لاحظ أني سردت قصة قصيرة في هذه التدوينة بخصوص أهمية الصمت التام لشد انتباه الجمهور، ولعل هذه القصة القصيرة هي أكثر ما سيبقى في ذاكرتك بعد قراءة هذه التدوينة، لأنها قصة ولأننا نحب القصص وذاكرتنا تحفضها بشكل أفضل. أيضاً الفرق بين كل ما كتبته وبين القصة أن عقلك يمكن أن يشكك في كل ما أقوله لأنه مجرد رأي أو وجهة نظر، أما القصة فهي حقيقة حدثت، لهذا أثرها يكون أكبر بكثير في توصيل الفكرة للجمهور. دائماً حاول أن تذكر قصة واحدة على الأقل في أي كلمة مهمة تحب أن تلقيها، مهما كانت القصة قصيرة سيكون لها أثر بالغ على جمهورك.

٦- لا للورقة: البعض قد لا يستطيع حفظ ما يريد أن يتحدث عنه أو ربما يكون الموضوع الذي يتحدث عنه جديد عليه فيصعب عليه التحدث بدون ورقة. لكن الحقيقة أن الورقة تقتل التواصل وتحوله ليس لمجرد كلام بل يصبح قراءة !  إذا كان التواصل نتيجته الإنصات، والكلام نتيجته السمع، فإن القراءة نتيجتها القراءة. فباستخدامك الورقة تتحول من متحدث إلى قارئ، ويتحول جمهورك من مستمع إلى قارئ أيضاً، الفرق الوحيد أنهم بدلاً من قراءة الورقة بنفسهم أنت من يقرأها عليهم. وضع الكلمات على شاشة الاستعراض كارثة أخرى، فأنت تقرأ منها وهم يقرأون منها أيضاً، بل أنك تشتت انتباههم في القراءة فربما الأفضل أن تصمت وتدعهم يقرأون. لا بأس بكلمات قليلة جداً على الشاشة لإعطاء الجمهور فكرة عن الموضوع الذي ستتحدث عنه، وأيضاً يمكنك أن تعتبر شاشة العرض ورقة صغيرة تذكرك بالمواضيع التي تريد أن تتطرق إليها. فمثلاً لو اردت أن تقول “حجم مبيعات أجهزة المحمول في السعودية تجاوزت ١.٥ مليار دولار خلال عام ٢٠١٣” لا تكتب هذا الكلام على الشاشة، اكتب (مبيعات المحمول، أو اكتب ١.٥ مليار دولار) اخفي نصف المعلومة لكي ينصت الجمهور لك.

٧- الأسئلة: مهما حاولت أن تحافظ على انتباه الجمهور، يجب أن تستلم للحقيقة وهي أن هناك من سيشرد ذهنه، وهناك من سيصاب بالملل، وهناك من سينام 🙂  لكن يبقى أفضل أسلوب للحفاظ على تفاعل الجمهور هو الأسئلة والأجوبة، لهذا حاول دائماً ألا تؤجل الأسئلة إلى النهاية، حاول أن تسمح بالأسئلة خلال الكلمة، وإن لم يسألك أحد، أسأل أنت السؤال وانتظر الإجابة من الجمهور، وبعدها ستجد الأسئلة تنهمر. الأسئلة مهمة لأنها تحول الكلمة من تواصل من طرف واحد إلى تواصل وحوار بين طرفين ترتقي فيه نسبة التفاعل إلى أعلى مستوى ممكن.

هذه بعض الأليات التي تعلمتها والتي احاول استخدامها دائماً، البعض منها مفيد عند إلقاء جمهور كبير، والبعض مفيد عند لقاء شخص مهم أو محاولة بيع منتج أو خدمة أو فكرة لشخص أو لبضعة أشخاص. هل لديكم أفكار أخرى؟ أحب أقرأ تعليقاتكم ..

3 تعليقات على “الفرق بين الكلام والتواصل”

  1. كلام جميل اخي عماد ، بس حبيت أضيف نقطتين مهمه
    ١-الابتسامة اثناء الحديث، فالابتسامه أداه لإرسال رساله حب للمستمع ليفتح قلبه للاستماع لحديثك، فع عن طريق قلبه يصل الحديث لعقله.
    إصهار الجليد ( break the ice) قبل الحديث او إلقاء اي كلمه بين المتحدث والجمهور او الشخص المستمع. قد تكون كلمه او حركه أو حتى مجرد ابتسامه تكسر الحاجز الوهمي . بعدها تكون جذبت المستمع للسماع لحديثك قبل ان تبدى.

  2. شكرا عماد نصائح جد مهمة أنا كطالب عادة ما اقدم عروضا تقديمية عن موضوع دراسي معين و الشيئ الذي انصح به من يريد ان يطور من قدرته على توصيل الافكار و التواصل مع مجموعة من الاشخاص هي التجربة لانك كل مرة تتعلم شيئ جديد
    أذكر انني في البدايات الاولى كنت اتلعثم و لا اعبر عن افكاري بالكلمات الصحيحة لكن مع تكرار الامر تحسن مستواي قليلا و أطمح للمزيد. بالتوفيق

  3. شكرا على هدة النصائح الدهبية لقد استفدت منة الكتير فهدا الاسلوب في الكلام و التواصل له اثرة الكبير في نفسية الاخرين و يقوم بكسر الجليد و يجعل الاخرين منصتين لما تقول ويدركون كل حركة و كل نظرة ونبرة صوت فن الكلام من اهم وسائل النجاح

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *