بناء بيئة العمل في الشركات الناشئة Startup Culture

قبل تأسيس عقارماب كنت أبحث عن أهم النصائح التي يمكن أن تساعدني في بناء شركتي الناشئة، ودائماً كنت أسمع عن أهمية بيئة العمل Culture، ولكني لم أستطع استيعاب المفهوم بشكل كامل قبل بدأ الشركة، وحتى بعد سنة كاملة من تأسيس الشركة. ما فهمته من إطلاعي هو أن وجود بيئة عمل جيدة سيجعل فريق العمل يشعر بالراحة، لهذا مهم أن يكون في مقر الشركة ألعاب مسلية، ويجب أن يكون ديكور الشركة مبهج ويساعد على الإبداع والإبتكار، كما يجب أن يكون أسلوب التعامل بين فريق العمل إيجابي.

عندما بدأت في تأسيس الشركة وبناء فريق العمل قررت قرار مهم أعتقد أنه كان العامل الرئيسي في بناء بيئة عمل عقارماب، وهو أنني لن أحاول بناء بيئة عمل مزيفة تبدو إيجابية من الخارج، بينما هناك مشاكل كبيرة في الداخل، ولكي ننجح في تحقيق هذا الهدف، اعتمدت على فريق العمل نفسه في اختيار التوجه الأنسب للشركة ولكن لم يكن هذا الاختيار بشكل واضح، أي أننا لم نجتمع لنقرر كيف ستكون بيئة عمل عقارماب، ولكني أعتمدت على الأسلوب العفوي وترك المياة تجري في مسارها الطبيعي، وحاولت أن أضع حدود بسيطة لبعض الأمور التي لم أحب أن تكون جزئ من بيئة العمل في الشركة. لهذا سأستعرض معكم بعض الأمثلة التي قد توضح لكم مدى أهمية بناء بيئة عمل نجاحة.

نعمل بجهد ونستمتع في نفس الوقت 
كلنا نعمل ساعات طويلة، وكل شخص يقوم بوظيفة ٣ أو ٤ أشخاص في نفس الوقت، والمهام كثيرة، وساعات العمل طويلة، لكن في النهاية كل هذا لا يمنع أن نستمتع ونمزح ونلعب قبل وبعد وخلال وقت العمل. صعوبة وكثافة العمل لا يبرران أن تكون العلاقة بيننا وبين بعض سيئة أو متوترة، مع كل ضغوط العمل نركز دائماً على خلق فرص للترفيه ابتداءاً من وجود ألعاب في المكتب وانتهاءاً بتنظيم رحلات للشركة، والأهم من هذا كله هي التفاصيل البسيطة بين هذه الأمور التي تجعل الكل يحب وجوده في المكتب مع زملائه.

عقارماب ليست مجرد وظيفة 
عقارماب هي حلم نسعى من خلاله بناء قصة نجاح تلهم غيرنا من الشباب، وجزء كبير من أعضاء الفريق انضموا لعقارماب لهذا السبب، وليس لأنهم كانوا يبحثون على مجرد وظيفة. ومع زيادة عدد فريق العمل بدأنا بالفعل بتعيين أفراد هدفهم في البداية هو الحصول على وظيفة عادية، ولكننا عادة ما نفحصهم بدقة خلال مرحلة التعيين لنقرر هل سيؤمن هذا الشخص بالفكرة بعد بضعة أشهر ويصبح مهووس بها مثل البقية بحيث تصبح أكبر ما يشغله، وأعتقد أن بيئة العمل التي بنينها وتصرفات جميع أفراد فريق العمل تفرض على كل من ينضم إلينا أن يصبح مثلنا أو ربما أن يبحث عن فرصة أخرى.

لا عقاب على الخطأ 
منذ تأسيس الشركة وأنا مؤمن أني سأخطئ عدة مرات أخطاء كبيرة وأن كل من يعمل معي وسيعمل معي في المستقبل سيخطأ أيضاً، لهذا رفضت مبدأ العقاب والإنذارات والخصومات بسبب الخطأ مهما كان حجمه، ولا أقبل تبرير معاقبة المخطأ بإلصاق تهمة الإهمال بالخطأ، فالخطأ هو خطأ وهو نتيجة طبيعية ومتوقعة. لهذا، نشجع الجميع على الصراحة وعدم الخوف من الاعتراف بالأخطاء، ونحاول أن نجد حلول تمنع مثل هذه الأخطاء في المستقبل. هناك من قام بحذف قاعدة بيانات مهمة لم يكن لدينا نسخة احتياطية منها ولم يعاقب، ولكننا بدأنا إعداد نسخ إحتياطية من جميع ملفاتنا المهمة، وهناك من ترك حملات إعلانية تنفق ميزانية الشركة على صفحات غير موجودة في الموقع ولم يعاقب، ولكننا بدأنا إعداد تقارير ومهام اسبوعية لمتابعة واكتشاف مثل هذه الأخطاء.

المناصب والمسميات لا تهمنا 
أحياناً تكون المناصب والمسميات عائق أمام إبداع فريق العمل، فيصبح هم الجميع في الشركة هو تسلق السلم الوظيفي بدلاً من التركيز على مهام العمل وتحقيق النجاح للشركة، لهذا في أول ٤ سنوات من تأسيس الشركة، لم يكن هناك أي مناصب في الشركة مثل (مدير، نائب مدير، وقائد فريق، إلخ)، الكل كان يحمل مسمى مسؤول Associate، فهناك مسؤول تسويق، ومسؤول مبيعات، ومسؤول خدمة عملاء، وغيره.. وبالرغم من اختلاف خبرات وكفاءات فريق العمل إلا أن المسمى واحد، ولكن بالطبع المرتب مختلف ويتناسب مع خبرات كل شخص وطبيعة عمله، كما أن الجميع يعلم أن خبرات فلانة أكثر من خبرة فلان في بعض النقاط لهذا نلجأ إليها في مثل هذه الأمور، وهكذا.. استمرينا على هذا المنوال إلى أن بلغ عدد الموظفين ٢٥ شخص، بعدها لم أستطع أن أدير كل هذا العدد لوحدي، فبدأت بتعيين بعض المدراء بهدف توزيع الضغط الإداري من على عاتقي فقط، وحاولت اختيار مدراء تجتمع فيهم الخبرة، والمهارة، والأهم من هذا التواضع والفهم التام لثقافة العمل في الشركة المبنية على كره الطبقية واحترام الأخرين. واليوم بلغ عدد الموظفين ٧٠ موظف، ولدينا ٨ مدراء وبيئة العمل لا زالت تنبض بالنشاط والإيجابية.

بناء قادة عقارماب من الداخل 
مع نمو عدد الموظفين واحتياجنا لبناء هيكل إداري واجهت قرار مهم جداً ومصيري ويمكن أن يدمر او يحافظ على بيئة العمل، وهو هل نوظف المدراء أصحاب الخبرات الحقيقية من خارج الشركة مع الأخذ بعين الاعتبار أنهم بالتأكيد سيتصدموا بشكل مباشر مع بيئة عمل عقارماب التي لا تعطيهم صلاحيات المدراء الطبيعية والتي تتطلب منهم كمية تواضع وتفهم ومرونة من الصعب وجودها في أي شركة، أم نراهن على أنسب الشباب والشابات من أعضاء فريق عقارماب لكي يكونوا هم القادة مع الأخذ بعين الاعتبار أن معظمهم ليس لديه أي خبرة إدارية أو قيادية وبالتالي سنواجه مشاكل في كفاءة الفريق الإداري من الناحية القيادية؟ اخترت بثقة المراهنة على قادة عقارماب وحاولت ولازلت أحاول بناء قدرات الفريق الإداري وتدريبهم على أفضل طرق الإدارة ضمن مفهوم عقارماب للإدارة، وهذا ما حافظ على بيئة العمل، ولكنه بالتأكيد حرم الشركة من وجود كفائات متمكنة كان يمكن جذبها من خارج الشركة. وموقفي الحالي لا يزال كما هو إلا أني لن أمانع من “تطعيم” عقارماب بخبرات خارجية من وقت إلا أخر عندما يستدعي الأمر خصوصاً إذا توفر منصب قيادي لا توجد لدينا كوادر داخلية تستطيع شغره. لكم ان تتخيلوا مدى حماس وحب فريق العمل للشركة عندما يعلموا يقيناً أن المتفوق في العمل والمجتهد سيكافئ حتماً يوماً ما بمنصب قيادي داخل الشركة، وأن احتماليات دخول شخص دخيل على فكر عقارماب ليصبح مديري في يوم وليلة ضئيلة جداً، خصوصاً أن الكثير قد عايش تجارب أخرى في شركات أخرى، يدخلها مدراء أصحاب خبرات ممتازة ولكن شخصيات غريبة أو أسلوب إداري سيئ.

لسنا هنا من أجل أعلى مرتب 
في سنة التأسيس كانت ميزانيتي محدودة جداً، وكنت اضطر لدفع مرتبات منخفضة جداً وعلى الرغم من أن هذا لم يكن اختياري الشخصي، إلا أنه نتج عنه نتيجة ممتازة وهي أن معظم من دخل فريق العمل كان هدفه ليس الحصول على أعلى مرتب، وبالتالي كان معظم أفراد العمل يبقون في الشركة لفترة طويلة لأن العروض التي تأتيهم من شركات أخرى لا تغريهم. وفي أول ٣ سنوات كان وضع الشركة المادي غير مستقر وبالتالي لم ندفع مرتبات بسخاء وبالرغم من ذلك بقى الكثير مؤمن بالشركة وبالفكرة لحبهم لها، وبالعكس استمر حجم فريق العمل بالنمو. الحقيقة أن معظم الناس لا تبحث عن المال فقط، المال مهم بالتأكيد، لكن الاحترام المتبادل، والبيئة الإيجابية، والعمل المحفز، واكتساب الخبرة، وغير ذلك من العوامل الأخرى هي الأهم. في آخر ٣ سنوات حققت عقارماب نجاح مالي متميز وبالتالي تحسن دخل فريق العمل وأصبح يتناسب مع السوق وأصبح أحياناً أعلى من السوق، وطبعاً مثل هذا التغيير جعل فريق العمل يشعر بالتقدير وزاد من حبه للشركة، ولكن الأساس هو أن وجود فريق العمل في الشركة هو ليس لمجرد الحصول على أعلى مرتب في السوق، وبالتالي تبقى الشركة محصنة من أي ظروف اقتصادية سلبية قد تواجهها في المستقبل لأن لديها فريق عمل مؤمن بشركته.

الصراحة بدون مجاملات  
البعض يصفني في الشركة بالدكتاتور 🙂 بالرغم من أني من دعاة الديمقراطية الوهمية 🙂 حيث أني أحب أن أشرك فريق العمل في الكثير من القرارات ولكني احتفظ دائماً بأخذ القرار النهائي حيث أننا لا ندير الشركة برأي الأغلبية. لكن مع هذا أتقبل النقد وأشجع الجميع على الصراحة واتجنب المجاملين وأقلل من رأيهم دائماً لأني لا أثق برأي شخص يجاملني أو يحاول التقرب إلي، بالعكس بعض المدراء والقيادين في الشركة لديهم أسلوب عنيف في تقديم أراءهم، لكن أراءهم عقلانية ومبنية عن خبرة وفهم ونابعة من حبهم للشركة، وهذا العنفوان في تقديم الأفكار هو ما يساعدني أحياناً على رؤية الحقيقة وتغيير رأيي.

التواضع وتصحيح المسار 
أتخذت عشرات القرارات التي اختلف معي الكثير من أعضاء فريق العمل فيها، والكثير كان يؤكد لي أنها قرارات خاطئة، يمكنني أن أقول أن نصف هذه القرارات هي جزء لا يتجزأ من نجاح الشركة، والنصف الأخر كانت أخطاء قاتلة ومكلفة، لكني لم أتردد للحظة عن الاعتراف بالخطأ وتصحيح المسار مباشرة عندما أتضحت لي الصورة. وبالرغم من أن عبارات مثل “مُش قلتلك” وغيرها من العبارات التذكيرية والاستفازازية تغضبني إلا أني على يقين أن هذه هي السبيل الوحيد لتحقيقي النجاح: يجب علينا أن نخاطر ونتخذ قرارات جريئة ومدروسة، وبالتأكيد بعضها سيصيب وبعضها سيخيب.

المرونة قدر الإمكان
أسلوب الإدارة الشرقي يتسم عادة بالقسوة وذلك لأن سلوك الموظف الشرقي يتسم عادة بالإهمال، وهذه الدائرة اسلبية تولد بيئة عمل فاشلة. لهذا حاولت قدر الإمكان بناء أنظمة العمل في الشركة لكي تكون مرنة جداً وفي نفس الوقت لا تسمح لعادات الإهمال المتأصلة في ثقافتنا العربية للتسرب إلى داخل الشركة. أكبر مثال هو الحضور والإنصراف، في أول سنة كان الحضور في أي وقت والإنصراف في أي وقت، ولكن سرعان ما أكتشفت أنه “حيتخرب بيتي” مثلما يقول المصريين لو استمريت بهذه المرونة، فاخترعنا أكثر من نظام خلال ٤ سنوات وكلها فشلت لأني كنت أحاول تجنب خصم المرتبات، والذي طالما أكد لي فريق العمل أنه الحل الوحيد للمشكلة، ولكني لم أنصاع لهذه المطالب وذلك لأني أعلم أن الشركات التي تخصم المرتبات لم تحل المشكلة والظاهرة لا تزال موجودة لديهم. لهذا ابتكرنا نظام مميز وناجح بكل المقاييس أساسه ببساطه أن أخر موعد للوصول للمكتب هو ٩:٠٠ صباحاً، ولو تأخر الموظف دقيقة واحدة يرسل اعتذار بالإيميل لفريقه، ويلتزم بالبقاء في المكتب لمدة ١٠ ساعات من ساعة وصوله وتسجيل بصمته عند الخروج. أما إذا وصل المكتب مبكراً فلديه مرونة أكثر بكثير في مواعيد الإنصراف، وليس مطالب بتسجيل بصمته عند الخروج أصلاً. النظام هذا يستحق براءة اختراع خصوصاً بعد مراجعة التغيير الملحوظ في سلوك جميع الموظفين خصوصاً أصدقائي الذين طالما أقنعوني أن لديهم مشاكل مع النوم منذ الأزل 🙂  ببساطة، تأخذ من وقتي، أخذ من وقتك.

إجازات مدفوعة بدون حدود
أكبر ميزة في عقارماب بدأت في ٢٠١١ ولازالت موجودة حتى اليوم هي أنه يمكن لأي موظف أن يأخذ إجازات مدفوعة في أي وقت وبدون أي حدود وبدون أي موافقة من الإدارة وحتى إذا كانت الإجازة ستتعارض مع المهام الموكلة إليه. كان الجميع يراهن أن هذا النظام سيفشل، لكني أعتقد أنه كان سيفشل إذا كنت قد بنيت فريق من الفشلة، أما إذا كان لديك فريق عمل يحب شركته ويتسم بالاحترافية في العمل، فستجد أنهم لن يستخدمه هذه المرونة المطلقة إلا عندما يحتاجوا لها. فتجد الشخص يستخدم ٥ أيام إجازة هذه السنة، و٣٥ يوم إجازة السنة التالية، بما يتناسب مع احتياجاته الفعلية وليس ما يحدده له القانون أو الشركة. وأنا متفائل أن هذه المرونة ستدوم طويلاً لأني قلما أشعر بأنها تستغل من أي شخص، وهذا أجمل ما في الأمر.

هذه أهم الجوانب التي تشرح بيئة عمل او ثقافة عمل عقارماب Aqarmap Working Culture، وأخيراً لمن لا يزال يعاني من فهم مصطلح Culture وهو يتداول بكثرة حالياً، فسأحاول تعريفه بهذه الطريقة:

“هي المبادئ والأساليب والأنظمة التي يتعامل بها جميع أعضاء فريق العمل عند تعاملهم مع بعض داخل الشركة بشكل خاص وعند تعاملهم مع الغير خارج الشركة بشكل عام.”

8 تعليقات على “بناء بيئة العمل في الشركات الناشئة Startup Culture”

  1. انت قصة نجاح تكبر كل يوم والاهم من ذالك انك مصدر الهام حددة الهدف وعرفة كيفية استخدام الواقع والضروف لتحقيقه ..اتمنى لك المزيد من النجاح

  2. أتمنى لو امتلك نصف مهارات وخبراتك في التعامل والادارة وانا من اشد معجبيك وبقولك كدا حتى بعد علمي بعدم تقبلك للمجاملين لاني مش بجاملك وفقك الله وايانا .. (عندي بس شعور ان الامكانيات دي وفريق العمل دا المفروض يكون حجم شركته واعماله وابداعه اكبر بكتير من اللي بنشوفه في عقارماب .. كملوا لسه مشواركوا طويل وبأذن الله عقارماب تتحول لاكبر كيان عقاري بمصر ((حاسس انكوا بتحضروا مفاجأة )
    كريم عابدين شركة كونتراكت للتسويق العقاري
    01200199990

  3. بمجرد وجود مثل هذة الادراة فى مصر هى شيء مبهج ويستحق الشكر .
    خلق بيئة عمل كعقار ماب تتيح للعاملين فيها الاصرار على النجاح لدرجة كبيرة
    فى رأيى انت تعمل على اسمى شىء خلق له الانسان وهو بناء الفرد على تنمية نفسه فكريا.
    اخلاص عملك لله واضح جداا
    نفع الله بك.وشكرااا
    للعلم انا لست من العاملين فى عقار ماب 😄 ولكنى من المؤمنين بوجود مثل هذة الافكار وقريبا سأنضم الى هذا المجهود الرائع .💪

  4. السلام عليكم,

    شكرا عمار على فتح ابواب ومشاركة خبرتك وتجربتك في عقار ماب,
    اعجبني حل مشكلة “الحضور والانصراف ” ومبدا تأخذ من وقتي، أخذ من وقتك

    موفق اخي, اشوفك في أرب نت إن امدنا الله بعمر .

  5. فعلا الفكر والأداره ده إن شاء الله يكون اكبر كيان موجود في مصر والشرق الاوسط
    بالتوفيق لك اولا ول عقارماب ثانيا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *