رسالة رائد أعمال إلى الحكومات العربية

حكومات العالم أجمع تنبهت لأهمية ريادة الأعمال كعامل فعال في تنشيط الاقتصاد وتوفير الوظائف والاستفادة من مهارات أبناء وبنات البلد، لكنها لم تكتفي بالشعارات والمبادرات الشكلية وإنما ركزت على إحداث تغيير فعلي وملموس. شخصياً، لست من المطالبين بتدخل الحكومة بشكل كبير في هذا المجال تحديداً، لأني أرى بأن ريادة الأعمال تعتمد بشكل أساسي على حماسة واندفاع وجدية رائد الأعمال ومن ثم بشكل ثانوي على توفر الظروف الملائمة له. بإختصار أرى شخصياً أن مراحل تدخل الحكومة كالتالي: 

١. إدراك أهمية ريادة الأعمال: تقريباً ٥٠٪ من الحكومات العربية أدركت أهمية ريادة الأعمال، حيث يتجسد ذلك في الخطابات الرسمية والوعود التي نسمعها عندما يتم التطرق لأهمية تنويع إيرادات الدول العربية والحد من ظاهرة البطالة، ولكني أشك أحياناً أن البعض أدرك أهمية ريادة الأعمال دون أن يدرك ما هي ريادة الأعمال. أيضاً، أجد كثيراً من الخلط بين ريادة الأعمال في المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر (Micro Entrepreneurhsip) وبين ريادة الأعمال الطموحة (High Impact Entrepreneurship)، والتفريق بين هذين النوعين من ريادة الأعمال مهم جداً، فبعض الدول أو بعض المناطق في حاجة ماسة للمشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر وذلك لإنعدام مصادر الدخل وتواضع إمكانية الأفراد في هذه المجتمعات، وهناك دول ومناطق أخرى لا يصح مخاطبتها بنفس الطريقة لأن المستوى المعيشي فيها عالي أو مهارات الأفراد فيها عالية، لهذا اهتماماتهم ومصادر إلهامهم مختلفة. على كلاً، أرى بأن الكثير من الدول العربية وصلت إلى مرحلة إدراك أهمية ريادة الأعمال، وهناك فرص لتحسين أداء الحكومات العربية في هذه المرحلة، لكن الوضع العام طيب ومقبول.

٢. إزالة العوائق وتسهيل الإجراءات لرواد الأعمال: هنا المشكلة الرئيسية، فسنلاحظ أن العديد من الدول تجاوزت هذه المرحلة وحاولت أن تنتقل لمراحل متقدمة يزيد فيها دور الحكومات بشكل عميق متجاهلة هذه المرحلة المهمة والحيوية بالنسبة لرواد الأعمال. للأسف، دولة أو دولتين حسب علمي استطاعت ولو بشكل جزئي إزالة العوائق التي تقف أمام رائد الأعمال لبدء مشروعه. أتكلم هنا عن الأمور القانونية بشكل رئيسي. كم من الدول العربية تسمح بتأسيس شركة بدون رأس مال أو بملبغ لا يتجاوز ١٠٠٠ دولار مثلاً، ماذا عن تسجيل الشركات بدون وجود مكتب (من المنزل مثلاً)، وماذا عن السماح لرواد الأعمال من دول مجاورة تأسيس مشاريعهم في دول غير دولهم. هناك الكثير أمامنا، فعندما يعجز رائد أعمال ناجح في بلده عن التوسع لبلد مجاور بسبب فيزا فبالفعل أمامنا الكثير، للأسف شخصياً لدي جواز أمريكي تحترمه معظم الدول العربية أكثر من الجواز اليمني، لهذا أتحرك بحرية تامة ولكني لا استطيع تخيل معاناة من يمتلك جواز عربي تقليدي. هناك الكثير مما يمكن أن تقوم به الحكومات العربية في هذا المجال، وصراحة لست مختص، لكني أعلم أن هذه المرحلة مهمة ويجب الاهتمام بها مباشرة. ومن الملاحظ أن الكثير من الدول العربية تسعى لتحسين ترتيبها في قائمة (سهولة مباشرة الأعمال – Ease of doing business) ولكن هذا أيضاً لا يكفي، فأحياناً هذه المعايير تركز على سهولة مباشرة الأعمال بالنسبة للشركات الكبيرة وليس للمشاريع الناشئة، لهذا ربما نحتاج لإستثناءات خاصة لرواد الأعمال يتم فيها تقديم تسهيلات وامتيازات خاصة بهم.

٣. تشجيع وتحفيز ريادة الاعمال: اعتقد بأن جزء لا بأس به من الدول التي انتبهت لأهمية ريادة الأعمال في الوطن العربي قفزت من مرحلة تذييل إجراءات رواد الأعمال وأعلنت عن برامج ومراكز وحاضنات أعمال تهدف إلى تشجيع وتحفيز ريادة الأعمال. ربما نحن مستعجلين للوصول إلى نتائج سريعة وملموسة، لكن هناك أسس يجب إتباعها لتحقيق نجاح مستدام وليس نجاح شكلي سريع. على أي حال، يجب أن نشيد بالبرامج الحكومية المختلفة التي تهدف لتشجيع وتحفيز ريادة الأعمال سواءاً بالتدريب أو تنظيم الندوات والمحاضرات والمؤتمرات، وتوفير المرشدين والموجهين لمساعدة رواد الاعمال مجاناً، فالحقيقة أن هناك برامج كثيرة يصعب حصرها أطلقت خلال السنين الماضية بهدف تشجيع وتحفيز ريادة الأعمال في الوطن العربي، وأنا أرى أن أداءا هذه البرامج جيد جداً.

٤. الاستثمار غير المباشر في رواد الأعمال: هذه مرحلة لم نصل إليها بعد، أو ربما وصلنا إليها في حالات نادرة. هناك تجارب عالمية تبين كيفية تنفيذ أهداف هذه المرحلة، حيث من المعروف أن الحكومة من أضعف الكيانات في إدارة الاستثمارات بسبب طبيعة عمل الحكومة وبطء إتخاذ القرار فيها بسبب البيروقراطية التي ممكن أن تقتل أي مشروع ناشئ بسهولة. لهذا، تفضل معظم الدول أن تستثمر في كيانات متخصصة في الاستثمار في رواد الأعمال، مثل شركات الاستثمار الجريء وحاضنات الأعمال الخاصة وليس العامة (أي المملوكة للقطاع الخاص)، بحيث يكون دور الحكومة دور الشريك الصامت الذي تصله تقارير تبين النتائج التي حققها رأس المال بدون أي تدخل منه. ويجدر الإشارة إلى أن دور الحكومات هنا هو فقط دفع العجلة ومن ثم الخروج من المعادلة بعد بدأ دوران العجلة، فدور الحكومة الحقيقي هو ليس تمويل المشاريع الناشئة ولكنها تدخل في هذه المرحلة لجذب رأس المال الخاص عن طريق تحقيق قصص نجاح تجذب رأس المال في المستقبل أو عن طريق تقديم حوافز وضمانات لرأس المال المحلي والأجنبي لتشجيعه على خوض تجربة تمويل المشاريع الناشئة في البلد. أرى بأن أمام حكوماتنا الموقرة فرصة ممتازة في هذه المرحلة، لكني أؤوكد أن المرحلة الثانية المتمثلة في إزالة العوائق التي تواجه رواد الأعمال تبقى أكثر أهمية من توفير رأس المال.

٥. الاستثمار المباشر في رواد الأعمال:  هذا النموذج فشل في معظم الدول ولا أنصح به إطلاقاً، فالحكومة لا تجيد إداراة استثماراتها ومواردها الخاصة فكيف لها أن تدير أو تشارك في مشروع ناشئ. قد يحلو لرواد الأعمال فكرة الحصول على استثمار سخي من الحكومات، لكن الحقيقة أن أسوأ شريك هو الشريك الحكومي، فإما أنه لن يتدخل نهائياً وبهذا لن يضيف أي قيمة مضافة وقد يتم إهدار أموال الحكومة أيضاً في هذا السيناريو، أو أن تتدخل الحكومة أو من يمثلها في كل قرار مما سيسبب الشلل التام لأي شركة ناشئة. لهذا، أنصح بشدة تجنب هذه المرحلة التي قد يتحمس البعض لها بالرغم من أن نتائجها الوخيمة معروفة مسبقاً.

 

تلخيصاً، ما نريده منكم كأقل واجب هو إدراك ما نقوم به وإفساح الطريق لنا لكي نقوم بعملنا، وهذا أضعف الإيمان، ولكنه كفاية. أما إن إردتم تقديم المزيد من التشجيع والتحفيز والاستثمار الغير مباشر فبالتأكيد ستساعدوا رواد الأعمال على تحقيق النجاح بشكل أكبر وأسرع، ولكن لنتذكر أن التحدي الحقيقي أمامكم الآن هن تذييل الصعوبات التي تواجهنا عند بدء مشاريعنا وعند محاولتنا التوسع في نطاق الوطن العربي.

اعملوا شيء.. لو تفضلتم..

أعملوا شيء لكي يحق لكم التصفيق لنا عندما ننجح في تنفيذ مشاريعنا، فنحن نعمل على تنفيذ مشاريعنا سواءاً بمساعدتكم أو بدون مساعدتكم، لكن صراحةً، لا يروق لنا تصفقيكم وتكريمكم لنا بعد أن ننجح بينما لم يكن لكم اي دور يذكر في مساعدتنا. ففي المراحل الأولى  كنا نعاني بشدة بسبب بعض شروط وقوانين وضعتوها أو ربما نسختوها من قوانين دول أخرى قبل عشرات السنين ونسيتم أن تراجعوا قوانين هذه الدول لمتابعة التغييرات التي جرت عليها مؤخراً.

روابط لممثلي الحكومة المهتمين بالتعلم من التجارب العالمية:
برنامج الشعلة (الصين) وهذا رابط للنتائج التي حققها هذا البرنامج
إنطلاقة تشيلي (تشيلي) من أفضل البرامج التي استقطبت رواد أعمال من جميع أنحاء العالم
يوزما (إسرائيل) لا بأس في التعلم من العدو، وهنا ترجمتي لفصل من كتاب يتحدث عن هذا البرنامج

 

أعملوا شيء.. لكي تصفقوا ونصفق لكم ! 

 

5 تعليقات على “رسالة رائد أعمال إلى الحكومات العربية”

  1. شكرا عماد ، مقال قيم جدا ، في الصين مثلا توجد حاضانات ومدن تكلنلوجيه بحالها تقدمها الحكومات المحليه وتتنافس في استقطاب الشركات الناشئه ورواد الاعمال، اذا قُبل مشروعك يعطوك كل التسيهلات من تسجيل الشركه ومكتب عمل مجاني لكم سنه ودعم مالي بدون اخذ اي نسبة من الشركه …. لا عليك الا ان تبدع 。
    الاصل من حكوماتنا ان تسهل اكثر من التسهيلات الموجوده عالميا لاننا متاخرين جدا في هذا المجال ، وبالمناسبة الشركات العملاقه الان بدأت تفتح عينها على الوطن العربي الخام (تكنلوجيا) فمثلا بايدوا الشركه الصينيه دخلت السوق المصري بقوة والان السعودي بمحركها الجديد والاضافات المصاحبه له ، وشركات اخرى ستدخل وستنافس وبجهد بسيط لان السوق جديد ، فكيف برواد اعمال مبتدئين ان ينافسوا هذه الشركات العملاقه مع عدم وجود اي تسيهلات . اتمنى ان تصل رسالتك وتؤخذ في عين الاعتبار

  2. الحكومات العربية وقراراتها المثبطة للشباب هي سبب تأخر وقلة رواد الاعمال بعالمنا للاسف …يجب عليهاا وجوبا ان تسهل اطلاق الاعمال التجارية وتكبح جماح التجار الكبار اصحاب الكروش الكبيرة الذين لا يشبعون وتكبح جشع الشركات لتترك مكان لصغار التجار بالبروز والربح ..وشكرا على الموضوع

  3. نسال الله ان تتنبه الحكومات العربيه لرواد الاعمال من مختلف التخصصات
    ولا تركز فقط على الامور التقنيه
    وان لا يبقى الشعار ان الحكومات اتفقو على ان لا يتفقو

  4. الصديق/ عماد, ما تقوله هو حلم الشباب العربى الواع والمثقف من المحيط الى الخليج. فأرضنا العربية تنوء بأحمال ثقال, وأمراض عضال. وجزء كبير من الحل لموكبة الغد يكمن فى تفويض الشباب العربى لادارة هذه الأمة. وريادة الأعمال أحد مداخل تلك النهضة المأمولة, وأحد أعمدة الأساس التى نعول عليها. وحتى لا أطيل عليك فأعتقد ان الأمر منوط بالشباب وريادى الأعمال أنفسهم, بطرح نموذجهم الخاص والاصرار عليه والسعى أمامه حتى ترضخ الحكومات.

  5. أجد رغبة ملحة للتعليق على مقالك و إبداء رأيي في الموضوع.

    أخي الكريم, إن الحكومات تبني قراراتها على معلومات و إحصائيات و إستراتيجية إقتصادية معينة (هذا المفترض طبعا).

    فللدولة مداخيل و مصاريف و تحاول أن تجد أفضل طريقة لاستغلالها وهذا هو دور الحكومة (منطقيا).

    و ريادة الأعمال هو إستثمار شخصي في الكفاءة الشخصية و لا يستطيع تحملها منطقيا إلى رائد الأعمال في نفسه.

    فلو تأتي إلى رائد أعمال ناجح و لديه المال و تطلب منه أن يستثمر في رائد أعمال غيره فلن يفعل بكل تأكيد.

    فمجال ريادة الأعمال هو طموح غامر لبلوغ المجد مبني على كفاءة ذاتية و طموح كبير.

    الحكومات كأي شخص لا يستطيع أن يترك الإستثمار في الملموس إلى الإستثمار في الكلام الغير ملموس.

    و العقبات التي أمام رائد أعمال كبيرة جدا و أهمها و أساسها قدرته على العمل بموارد و طاقات ضعيفة جدا. وهي عملية مجهدة و شاقة.

    ولولا هذه النقطة -من وجهة نظري- فلا تسمى ريادة أعمال بل هو إستثمار عادي. و الإستثمار في المجالات ذات الخطورة العالية هو إستثمار جريء.

    فإذا استطاع أن يتغلب على هذه النقطة بطريقة أو بأخرى فالطريق أمامه مفتوح إلى غيرها من العقبات.

    و المكابدة في العمل بدون موارد كافية يستفز رائد الأعمال و يضطره إلى البحث عن حلول و أفاق و مخارج و أيضا لمحاولة ترتيب العمل و تطويره بطريقة يمكنه المحافظة على وجهة السفينة و مواصلة المشوار.

    فطريقة العمل التي تمكنه من الوصول إلى أفضل الأهداف بأقل التكاليف يجعل من رائد الأعمال رجل أعمال خرافي.

    و التجارب التي سيحصل عليها أغلى من الكبريت الأحمر. و هو أفضل ما يحصل عليه رائد الأعمال.

    و لكن السؤال الذي يعيد طرح نفسه: ماهي الفائدة من ريادة الأعمال على الإقتصاد عموما من وجهة نظر الحكومة و من وجهة نظر رائد الأعمال؟

    من وجهة نظري فإن الفائدة الوحيدة الحاصلة من خلال ريادة الأعمال هي إضطرار رواد الأعمال بأنفسهم إلى الإرتقاء بأدائهم إلى أعلى مستوى ممكن من حيث الإدارة و التخطيط و التطوير. للوصول إلى مستوى يمكنه من المنافسة.

    و إحتضان و دعم رواد الأعمال لا يمكن إلا بعد التأكد من أهليتهم لذلك, بل حينها سيصبح رائد الأعمال شخصية فذة تهابه الصعاب.

    و خلاصة الكلام: كيف يمكن أن تساهم الدولة و رواد الأعمال بالإرتقاء بالكفاءات البشرية إلى مستوى تنافسي.

    هل يمكن ذلك من خلال تعليم مختلط (شباب و شابات في فصل واحد) و تعليم غير مواكب لمتطلبات السوق.

    هل يمكن ذلك في عالمنا العربي بالإعتماد على القروض الربوية و الجميع يعلم أن الربا من الموبقات.

    هل يمكن أن نكرم أنفسنا و نحن مهينون لها بالتخلي عن المبادئ و الأخلاق.

    هل يمكن ذلك و الشباب بقضون أغلى أوقاتهم في اللعب و اللهو أيام الدراسة ثم يتفطن بعد التخرج أنه غير مؤهل و الجميع قد تخلى عنه ويجب عليه أن يجد وظيفة.

    و لعل هذه مناسبة جيدة للبحث عن سبل دعم ريادة الأعمال في العالم العربي بعد البحث و التدقيق و إعادة الإجابة عن مدى جدواها الحقيقي في الإقتصاد و المجتمع.

    و الله أعلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *